تعد مكة المكرمة من حيث الأهمية الاقتصادية والتجارية المدينة الثانية بعد جدة، ويؤدي الحج دوراً كبيراً في إنعاش الحركة التجارية في المدينة المقدسة(1)، الذي كان من فوائده تنشيط حركة التجارة بين الحجاز وسائر بقاع الأرض ذهاباً وعودة، حتى غدا مصدرًا مهمًا من مصادر الدخل المكي(2)؛ فكان الحجاج يغدون إلى مكة المكرمة وبحوزتهم الكثير من الأموال لجباة الضرائب والتجار(3)، والكثير من المتاجر الشرقية التي كانوا يحضرونها معهم لممارسة النشاط التجاري عبر الطرق التي كانوا يسلكونها أولاً، ثم لتغطية تكاليف رحلتهم ثانياً(4). فقد كانت مكة المكرمة بلداً مفتوحاً للتجارة والكسب، ومما ساعد على ازدهارها - حتى سكنتها القبائل التي كانت تفد إليها من جميع الأصقاع والأقطار - هجرة إسماعيل ولد إبراهيم عليهما السلام، التي يمكن عدها البداية الواضحة لتاريخ مكة المكرمة، على الرغم من أنها كانت معروفة منذ فترات تاريخية موغلة في القدم(5)، فالطريق إليها ملتقى الصادر والوارد، ودليل ذلك ما أشارت إليه المصادر من أن البضائع ترد إلى مكة المكرمة من كل الجهات(6)، والثمرات تجبى إليها من كل مكان لقوله تعالى: {أّوّ لّمً نٍمّكٌَن لَّهٍمً حّرّمْا آمٌنْا يٍجًبّى" إلّيًهٌ ثّمّرّاتٍ كٍلٌَ شّيًءُ رٌَزًقْا مٌَن لَّدٍنَّا $ّلّكٌنَّ أّكًثّرّهٍمً لا يّعًلّمٍونّ}(7). فلم تكن مكة المكرمة في يوم من الأيام في عزلة جغرافية، فقد كانت أسواقها تزدحم بالتجارة من جميع المصنوعات والمتاجر في رحلة إلى الشام ورحلة إلى اليمن، ولا يخفى ما كان للقرشيين من دور بارز في نقل التجارة مما أبرز أهمية الحجاز وعلى الأخص مكة المكرمة(8).
|