يتناول الكاتب في هذه المقالة معنى العبادة وحقيقة العبودية، ومفهوم العبادة في الإسلام، وغايته بيان أثر المفهوم العام للعبادة في مكافحة الجريمة، وكذلك الأثر السلوكي الخاص بكل عبادة من العبادات التي اصطلح عليها فقهاء الإسلام؛ وقد بدأ بتوضيح معنى مقالته وخطته في معالجة عناصره، ثم نظر في المادة اللغوية لكلمة "العبادة" حيث تعني الخضوع والتذلل والاستكانة والطاعة. والعبادة لا تعني مطلق الخضوع كالعبودية، وإنما تعني خضوعًا خاصًّا يبلغ الغاية في تعظيم المعبود، طاعة له وتذللاً. وقد أشار الكاتب إلى أن ابن تيمية أضاف إلى هذا المعنى اللغوي عنصرًا آخر يتصل بالشعور الوجداني في عبادة الله تعالى، إنه يضيف إلى التذلل والخضوع والطاعة معنى الحب؛ ولا يستحق تمام الخضوع والمحبة إلا الله، وتحدث ابن تيمية عن حقيقة العبودية ومقتضياتها من التزام شرع الله والانقياد لله عن حب ورضا؛ ثم مضى الكاتب في توضيح مفهوم العبادة في الإسلام الذي عدّه أنه يشمل الدين كله؛ لأن حقيقتها الشرعية تعني كمال الطاعة والخضوع والحب ظاهرًا وباطنًا لله تعالى، وهذا يشمل شؤون الحياة كلها، امتثالاً لشرع الله، وانقيادًا له، وطلبًا لمرضاته، وقد عرفها ابن تيمية بأنها اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان ونحوها من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له والصبر لحكمه، والشكر لنعمته، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه...، هي من العبادة. ثم تطرق الكاتب إلى أثر هذا المفهوم العام للعبادة في مكافحة الجريمة، فإنه إذا كانت العبادة بمعناها العام تتناول ما جاء في دين الله من أمر ونهي، فإن امتثال أوامر الله ونواهيه في كل شأن من شؤون الحياة أمر لا بدّ منه لتحقيق معنى العبودية لله، وقد نهى الإسلام عن كل ما فيه ضرر وأذى بدءًا بالصغائر وانتهاء بالكبائر، وهذا يشتمل على الجرائم المعروفة كلها، ثم وضح الأثر السلوكي للصلاة والزكاة والصيام والحج في تربية النفس وتقويم السلوك، وخلص إلى أن المجتمع لا يسعد إلا بالإيمان الذي يعمر الضمير.
|