درس الباحث بنية خطاب الحنين في شعر الوافدين العرب على مملكة قلكندا بالهند. وقد شهدت ازدهارًا ثقافيًا وشعريًا بوجود الشاعر الحجازي أحمد بن معصوم الذي استدعاه السلطان عبدالله قطب شاه، وعينه واليًا لعهده، وفوض إليه تصريف أمور مملكته، فكتب قصيدة طويلة امتدح فيها السلطان، وأقام بنيتها على ثنائية النسيب والمديح التقليديين ، ويحتوي مقطع النسيب على حشد من أسماء الأعلام والأماكن المرتبطة بالوطن الأول للشاعر، وإن استرجاعها يضاعف الإحساس بالحنين إلى الوطن الأول . وقد عمل شعراء قلكندا من بعده على تطوير هذا الإحساس والتفنن في التعبير عنه، وعلى الرغم من غلبة الطابع التقليدي على قصائدهم فإنها حفلت بجماليات جديرة بعناية الباحث. وقد وُضِّح تأسيس خطاب الحنين على ثنائية يحنّ فيها الشاعر (الفاعل) إلى الوطن (الآخر)، فتتشكل بينهما فجوة يولد فيها خطاب الحنين ، والوطن (الآخر) المرغوب في حيازته هو جزء من الشاعر (الفاعل) ، إذ يمثل ماضيه وأهله وتراثه ، وهو منفصل عنه، فظهرت لديه الرغبة في التوحد واجتياز الفجوة بين حاضره وماضيه، فيحاول استرجاع جزئه الآخر عن طريق الخطاب الإبداعي المسكون بهاجس الحنين والمتشكل من الرغبة في حيازة ذلك الآخر ، فيلجأ إلى مخزون الأسماء والأماكن ذات العبق التاريخي، فيختار منها ما يناسب أهدافه الشعرية. وقد تناول الباحث مجموعة من القصائد بالتحليل، وأوضح ورود الحنين في مطالع بعض منها، وقيام بنية بعضها الآخر على الحنين وحده. وقد يعود المغترب إلى وطنه الأول فيجده قد تغير مما يشير إلى استحالة استرجاع الآخر كما كان ، إلا أن الحنين يبقى منهلاً يغترف منه الشعراء المغتربون كلما استبد بهم الوجد.
|