أثرت سيرة عنترة بن شداد في باقي السير المماثلة التي ظهرت فيما بعد مثل "سيرة ذات الهمة" التي قدمت بطلها الصحصاح فارس بني كلاب عن طريق استثارة صورة أكثر رسوخًا في الذهن العربي هي صورة عنترة الفارس المقدام، وكذلك الأمر في "سيرة حمزة البهلوان" التي حاول صاحبها تشبيه بطله بعنترة، ويستمد هذا التأثير بشخصية عنترة عناصره من الملامح العامة لهذه الشخصية التي أصبحت مثالاً يُحتذى في باقي السير المشابهة. وتعرض صورة عنترة صفات البطولة والشهامة، وكانت أمه زبيبة فارسة تقارع الفرسان خارقة بذلك سلوك الإماء. ووضع عنترة أمام محك التجربة ليثبت فيها جدارته وأحقيته في الانضمام إلى صفوف الأحرار، فصارع الفرسان وحقق الانتصار، وكشف عن حقيقة معدنه في أكثر من موقف حاسم، وأكد عنترة بأنه فارس شجاع، وأكد أيضًا مكانته الأدبية بوصفه شاعرًا فحلاً، وتوّج عنترة المواقف الحاسمة بتعليق معلقته بين خيرة قصائد العرب في الجاهلية. واقترنت صفة البأس فيه بخصلة العقل في وجدان الشعب، يضاف إلى ذلك المروءة التي تعني القدرة على حماية النفس والوطن والمال، مع الترفع عن الصغائر والدنايا. ويمثل عنترة الوعي الجماعي، ويتجلى ذلك من خلال الهدف الذي كان يكافح من أجله وهو يخوض صراعًا ملحميًا من أجل تقويض تقاليد زائفة راسخة في البداوة، وخلق قويم جديد لمجتمع جديد تنتفي فيه العبودية وتتحقق فيه العدالة الاجتماعية. وكان البطل عنترة قد انطلق يتغنّى بعظمته وبسالته حتى تحول عنده مركّب النقص وعقدة الدونية إلى النقيض، وهو الإحساس بالعظمة والبطولة وهو المثال الأعلى الذي كان ينشده الرجل في عصره. لقد كان عنترة يناضل في الساحتين التعبيرية والواقعية من أجل تحقيق هدف أسمى وهو أن يحرر الإنسان في إنسانيته، ويحرر الحب في حبه. وكان من عبقرية عنترة أنه كان يصدر في مثله وقتذاك عن قيم إنسانية، كانت إرهاصًا للمبادئ الإسلامية التي وضعت فيما بعد حدًا للعصبيات القبلية
|