دراسة تاريخية لظهور القوة البحرية الإسلامية، وهدف كاتبها إلى تحديد بداياتها ودوافعها ودورها، ورجع إلى مصادر التاريخ الإسلامي والأدب الجغرافي، وبدأها بالحديث عن فتوحات المسلمين التي أوصلتهم إلى مدن ساحلية كثيرة، وعرض لموقف عمر ــ رضي الله عنه ــ من الحملات عن طريق البحر بعدما تبيّن له محدودية خبرة العرب في المعارك البحرية إذا قورنوا بالبيزنطيين والفرس، كما أشار إلى أن الملاحة النهرية قد بدأت في عهده، وأنه أمر ببناء سفن لتحمل الغلال والمحصولات من مصر إلى المدينة ومكة، وكان الجار ميناء المدينة، ثم تناول ظهور القوة البحرية الإسلامية في عهد عثمان -رضي الله عنه- للدفاع عن السواحل الإسلامية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط خاصة، وشهد عهده البداية الحقيقية لميلاد القوة البحرية الإسلامية، وكان معاوية بن أبي سفيان أول من دعا المسلمين إلى الاهتمام بالنشاط البحري، وسمح له عثمان رضي الله عنه بالقيام بحملات بحرية بشرط ألا يحمل إنسانًا على الخدمة البحرية على كره منه، فجعل بذلك هذه الخدمة تطوعًا واختيارًا، ثم تناول الكاتب الحملات البحرية الأولى التي قام بها المسلمون، وبدأ بذكر غزوة بحرية لجزيرة قبرص سنة 28هـ قام بها معاوية بن أبي سفيان، وكان أسطول المسلمين تحت إمرة عبدالله بن قيس الحارثي، وقد أمده عبدالله بن سعد بن أبي السرح والي مصر بعدد من السفن وسقطت قبرص في أيدي المسلمين، وذكر أن عبدالله بن قيس قد قاد خمسين حملة بحرية، وفي سنة 33هـ قام المسلمون بهجوم ثان على قبرص لأن أهلها لم يراعوا شروط الصلح التي فرضها معاوية بإعارتهم البيزنطيين سفنًا، فخرج عليهم بأسطول من خمس مئة سفينة تحت إمرة أبي الأعور فاستسلموا له، وغنم المسلمون غنائم وفيرة، وعاد إلى سوريا تاركًا وراءه قوة من اثني عشر ألف رجل في مدينة شُيدت لهم هناك، ثم قام المسلمون بحملات بحرية على جزر قوس ورودس وكريت سنة 33هـ، وبعد حملة قبرص فكر معاوية في مهاجمة القسطنطينية، فكانت السفن تُبنى حثيثًا في الإسكندرية وطرابلس وغيرهما.
|