تناولت المقالة سياسة الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - في أفريقيا؛ فقد كان الاهتمام بدعم الشعوب الإسلامية في الدول الأفريقية في سعيها للتحرر والاستقلال والتقدم محورًا مهمًا من محاور سياسته خلال السنوات العشر الأخيرة من حياته، مستهدفًا مساندتها لتحقيق حريتها الكاملة في إطار من الإسلام الصحيح، وتوثيق أواصر التضامن وعلاقات التقارب معها، وإنقاذها من أذى الاستعمار والصهيونية وشرورهما. وفي الوقت الذي بدأ فيه الملك فيصل التخطيط لسياسته الأفريقية، انطلقت في مؤتمر من مكة المكرمة في عام 1385هـ دعوة إلى التقارب الإسلامي وتحقيق التضامن بين المسلمين؛ وحمل ممثلو الملايين من المسلمين الذين شهدوا المؤتمر الملك فيصل أمانة تحقيق هذه الرسالة؛ فبادر إلى الدعوة إلى التقارب الإسلامي انطلاقًا من شعوره بأن له في القارة الأفريقية إخوانًا يشتركون معه في عقيدة واحدة وهدف واحد واتجاه واحد، وهو الجهاد في سبيل حرية الإسلام والمسلمين. وفي هذا الإطار قام الفيصل بزيارة كل من مالي وغينيا في جمادى الآخرة سنة 1386هـ، في نطاق جولته التي زار فيها خمس عشرة دولة إسلامية في آسيا وأفريقيا لإرساء قواعد دعوته للتضامن الإسلامي، وكان يهدف من زياراته إلى تحقيق أمور ثلاثة، أولها: الدعوة إلى إحياء مجد الإسلام عن طريق التمسك برسالته الخالدة، وثانيهما: دعم التضامن بين الشعوب والدول الإسلامية للدفاع عن القيم الإنسانية والتعاليم الروحية لدرء أخطار الصهيونية وحملات الإلحاد والغزو الفكري الهدام، وثالثها: الدعوة لنصرة قضية فلسطين بوصفها قضية البلاد الإسلامية جميعها، وحشد القوى للدفاع عن هويتها العربية الإسلامية وإعادتها إلى أهلها. لقد كانت دعوة الفيصل قوية إلى التمسك بالعقيدة الإسلامية، وتوحيد صفوف المسلمين لخدمة دينهم وأوطانهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي ينص عليها الإسلام، وغايته تحقيق الأمن والسلام للمسلمين والبشرية جميعًا. وقد حققت زيارة الفيصل الأولى لأفريقيا نتائج إيجابية في مجالات الدعوة لإحياء الإسلام والتمسك بالعقيدة الصحيحة، ودعوة التضامن، ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني العادل لاسترداد حقوقه؛ كما نجحت زيارته الثانية لأفريقيا سنة1392هـ، ففي أعقابها أقدمت الدول الأفريقية على قطع علاقاتها السياسية بإسرائيل، وكان انتصار مساعيه انتصارًا للعقل والحكمة والمنطق .
|