تناول الكاتب أثر اللغة العربية في الكشف عن ملامح التاريخ الطبيعي للجزيرة العربية، وقد رجع إلى القرآن الكريم، ومصطلحات الحديث الشريف، ومعاجم العربية، ومصادر الأدب الجغرافي العربي. وقد استهل دراسته ببيان خصائص اللغة العربية وبخاصة قدسيتها ممثلة في أن الله ــ عز وجل ــ قد اختارها لغة لكتابه العزيز، والتصاقها بالبيئة الطبيعية. وبين كيف تفاعلت اللغة العربية في الجزيرة العربية وطنها الأم مع جميع أجزائها، وواكبتها في مراحل تكوينها، فجاءت واعية للأحداث والظواهر، واختزنت في ذاكرتها كثيرًا من مجريات التاريخ بمعناه العريض، بما فيه التاريخ الطبيعي موضوع هذه الدراسة. وتطرق إلى ما في الجزيرة العربية من حرّات، والحرّات جمع حرة، وهي في معاجم اللغة الأرض المغطاة بحجارة سوداء ذات تخاريب كأنها أحرقت بالنار. لقد أطلق العرب قديمًا كلمة حرة على ما نعرفه اليوم باسم البركان، وقد كانوا يسمونه نارًا أيضًا، والنار والحرة متقاربتان في الدلالة، ومخرجات البركان المصهورة لا تلبث مع الزمن أن تبرد وتستحيل إلى حجارة سوداء، وهكذا فإن تسمية الأرض ذات الحجارة السوداء بالحرة ناتجة عن المعنى الأصلي لها وهو البركان الثائر، ومما ورد فيه ذكر النار في مقام البركان نص لأبي حنيفة الدينوري في كتابه الأخبار الطوال في إشارته لذي نواس الذي كان له بأرض اليمن نار يعبدها وقومه قبل أن يتبع اليهودية، وكان يخرج منها عنق يمتد إلى ثلاثة فراسخ. وفي تسمية العرب الحرة باسم الفتين دليل قاطع على إدراكهم للعلاقة القائمة بين دلالة الأصل اللغوي (ح ر ر) بمفهومها الجغرافي، ذلك أن الفتين من الأصل اللغوي (ف ت ن) بمعنى أحرق بالنار، وقد ورد في شعر الكميت بن زيد لفظ الفتين بمعنى الحرة، كما استخدم العرب اللابة في أشعارهم بمعنى الحرة. وانتهى الكاتب إلى أن اللغة العربية كانت خير قاموس سجل الأحداث والظواهر الطبيعية وكذلك الحضارية.
|