إن كتابة الشعر في شكل فني متحرر من الوزن والقافية ليست جديدة على حياتنا الأدبية المعاصرة، وقد تتبع الكاتب هذه الظاهرة منذ مطلع القرن العشرين، وسجل دعوة ميخائيل نعيمة إلى النظر إلى الوزن على أنه شيء ثانوي يلي من حيث الأهمية المضمون الشعري وصلته بوجدان قائله؛ لأنه رأى أن الأوزان والقوافي ليست ضرورة الشعر، ولم يستسغ الذوق العام والنقاد الكثيرون إسقاط الوزن من الشعر بوصفه عنصرًا موسيقيًا أصيلاً من الشعر، يضاف إلى ذلك أن رواد الشعر الحر مثل نازك الملائكة وصلاح عبدالصبور وبدر شاكر السياب لم يغفلوا هذا العنصر الموسيقي في أشعارهم، وعملوا على تطويره لا إلغائه، وتوزيع الإيقاع الصوتي داخل القصيدة توزيعًا جديدًا، يقوم أساسًا على وحدة التفعيلة، لا على أساس وحدة البيت، مع تعدد القوافي أحيانًا أو الالتزام بقافية واحدة. وإن النظر في حركات التجديد الشعري العربي على تعاقب العصور قد أحدثت تجديدًا في موسيقا الشعر لم يفض إلى إلغاء الوزن، بل عمل على تنويع القافية مع الإبقاء على الوزن؛ لأن الوزن سمة ضرورية للشعر ولا يستقيم فنه دونها، ويؤكد ذلك آراء النقاد مثل ابن رشيق القيرواني الذي ذهب إلى أن الوزن أعظم أركان الشعر وأولاها به، كما قال ابن ســـنان الخفـــاجي: إن الوزن هو صفة الشعر الأصليـــة التي تميزه من غيــره من الفنـــون الأدبيـــة الأخرى كالنثر، كما رأى رواد الحركة الأدبية والنقدية الحديثة كالعقـــاد أن الوزن أخص خصائص الشعر العربي بالذات، وألزم لزومياته، لارتباطـــه به منذ نشـــأته. والنظم العربي فن معروف المقاييس، ومستقل عن الغناء، ويقول بأهمية الوزن في الشـــعر شعراء ونقاد غربيون أيضًا مثل (كوليردج). وإن الوزن الشعري لا يتحقق له أداء وظيفته على الوجه الأكمل إلا بحدوث الانسجام الصوتي بين أجزاء الإيقاع التي يتألف منها، وقد أدرك العرب من قديم ور القافية في الوزن لتحكمها في ضبط الإيقاع واتزانه في آخر كل بيت شعري، بل في القصيدة الموحدة الإيقاع كلها
|