يهدف الكاتب إلى عرض تاريخ المسجد الجامع بقرطبة وبنائه وأثره، وقد رجع لمصادر التاريخ الأندلسي وآثار الأندلس. وصف الإدريسي المسجد بقوله: إنه ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقًا وطولاً وعرضًا. ولعل عظمة هذا المسجد الجامع وروعة عمارته وإبداع زخارفه وروعة بنائه من الأمور التي أنقذته من التدمير والتخريب بعد دخول الإسبان قرطبة. ويصف الكاتب أرضيته وسقفه وجدرانه، وأعمدته الرخافية التي كان لبعضها قواعد مختلفة في الحجم، كما لم يكن لبعضها الآخر قواعد، وقد ربطت الأعمدة فيما بينها عن طريق عقود متجاورة نصف أسطوانية متراكبة، وكانت العقود السفلى تربط بين الدعائم، في حين تقوم فوقها العقود العليا مما جعل السقف مرتفعًا إلى ثلاثة أضعاف ارتفاع الأعمدة، فأضفى ذلك على بناء المسجد بهاء وجلالاً، وقد تناوب اللونان الأصفر والأحمر في العقود، أما الصحن الخارجي للمسجد فقد أمر عبدالرحمن الداخل بغرسه بالأشجار وكلف بذلك عبدالله بن صعصعة بن سلام، وما تزال تلك الأشجار متوافرة إلى يومنا. وقد توفي عبدالرحمن الداخل قبل أن يستكمل بناء المسجد الكبير، فتابع ابنه هشام العمل فكانت بذلك المرحلة الثانية في بنائه، وقد تولى هشام بناء مئذنة المسجد بجانب بابه الرئيس الذي كان يقع وسط السور الشمالي، وكان ارتفاعها في عهده أربعين ذراعًا وقد تهدمت، وابتنى هشام في آخر بيت الصلاة بالمسجد سقائف للنساء، وفي شرقي صحن المسجد مكانًا للوضوء. وتم تطوير بناء المسجد وتوسعته القادمة في عهد عبدالرحمن بن الحكم، وتولى ابنه محمد الأول إكمال زخرفة الأعمدة والعقود والأسقف وإضافة المقصورة، وفي عهد المنذر بن محمد زيد بناء بيت المال داخل صحن المسجد، ووصل أخوه عبدالله المسجد بقصر الإمارة المجاور برواق مسقوف، وقد بنيت قباب المسجد لأول مرة في عهد الحكم المستنصر، ويعد محراب المسجد تحفة فنية وهو يحدد اتجاه القبلة. وانتهى الكاتب إلى أن بناء المسجد ما زال يتحدى عوامل الدمار، ويعرض روعة الفن المعماري والزخرفي للمسجد الإسلامي.
|