يتناول الكاتب أهمية الوثائق والتعريف بها، وهدف إلى توضيح أنواعها وقيمتها ومؤسساتها، وقد بدأ ببيان فوائدها في مجال حفظ التراث وكتابة التاريخ الوطني خاصة، ودراستها في إطار تخصص العلوم الوثائقية، ثم عرف التوثيق لغة، فهو مصدر من الفعل وثق، ووثّق الأمر أحكمه وأتقنه، ووثق المرء إذا قال فيه: إنه ثقة، واصطلاحًا فإنه يعني جمع الوثائق والمستندات، ونقدها، وتمحيصها، وتقديمها إلى الناس في صورة أقرب ما تكون إلى الأصل الذي صدر عن صاحبها الأول؛ وقد أوضح نوعي الوثائق اللذين يشملان نوعًا من الوثائق التي وضعت لاحتياج الناس إليها كالسجلات الرسمية، والوثائق التاريخية، والأدوات والفنون، ونوعًا آخر من الوثائق التي وضعت لإخبار الأجيال القادمة بما فعلته سابقاتها، وتنقسم هذه الوثائق بدورها إلى وثائق شفوية كالروايات، والملاحم، والقصص، والأساطير، والأقوال المأثورة، والأمثال الجارية التي تدل على تجارب حياتية سابقة، ووثائق كتابية أو يدوية كالتصاوير التي تمثل المشاهد التاريخية أو بعض الحفلات الدينية أو بعض المعارك الحربية، والكتابات والنقوش. فالوثيقة إذن تحمل مدلولاً أوسع بكثير من النص المخطوط أو الخبر المروي؛ ويحتاج التوثيق إلى خبرات، وإن الذي يوثق قطعة من المسكوكات أو وسامًا من الأوسمة يتحلّى بخبرة خاصة؛ ويشير الكاتب إلى أن توثيق النصوص والروايات يحتل في العلوم الإنسانية مكانة أكبر مما يحتله التوثيق في حقول أخرى، وإن توثيق النصوص والروايات قديم عند علماء المسلمين، وقد بدأه رواة الحديث النبوي الشريف، فحددوا ضوابطه وشروطه للتثبت من صحة النص أو الخبر المروي أو السند، وعمل المؤرخون والأدباء أيضًا على رواية أخبارهم وأشعارهم بأسانيدها؛ ثم تطرق الكاتب إلى اهتمام الأوروبيين بالتوثيق ونقد الوثائق في البحث التاريخي، وتحدث عن المنهج التوثيقي وهو من وجهة نظره معني بتحليل الوثيقة، وتوثيق النصوص والآثار. والنصوص قد تكون مخطوطة، أو مطبوعة، أو مسموعة، أو مصورة، وعدّ الكاتب من أدوات التوثيق الخبرة بالخطوط العربية وغيرها، والكشف عن مواطن التزييف والتلف والتحريف والتصحيف، والإحاطة بالمظان المتصلة بموضوع النص. ويؤخذ على المقالة الخلط بين التوثيق، وعلم الوثائق التاريخية
|