سلطنة عمان شكلت مجان - وهو الاسم القديم الذي أطلق على شبه جزيرة عمان إقليمًا جغرافيًا متكاملاً، له من الخصائص والمميزات الجغرافية والطبيعية ما يجعله ينفرد عن بقية الأقاليم الأخرى في شبه الجزيرة العربية، ويضم في الوقت الحاضر وحدتين سياسيتين هما: سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة - أحد أقدم المراكز التجارية التي عرفها الشرق الأدنى القديم، كما صورتها النصوص السومرية، التي جعلت التجارة عنصرًا مهمًا في نشاط مجتمع مجان الذي اعتمد على تصدير عدد من المواد الأولية والمصنعة، مثل النحاس واللبان، مقابل استيراد بعض السلع والبضائع، مثل الدقيق والزيت والملابس والجلود والقصدير من المناطق المجاورة في بلاد الرافدين والسند ودلمون. وقد أكد هذا التبادل التجاري العثور على عدد من الشواهد الأثرية المستوردة، التي خدمت الباحثين في توثيق تاريخ مجان الاقتصادي وصلاتها الخارجية في هذه الفترة المبكرة (الشكل رقم1). مما لا شك فيه أن المصدر الرئيس لمعلوماتنا عن التبادل التجاري بين مجان ومناطق العالم القديم هو النصوص المسمارية، التي تحدثت عن السلع التجارية المتبادلة في العالم القديم، وبينت أنواع هذه البضائع، وأهم مراكز الاستيراد والتصدير، والمناطق المعنية بذلك خلال فترة الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد. فقد حفظت النصوص المسمارية أسماء البضائع وكمياتها والمناطق التي استوردت منها مثل دلمون ومجان وملوخا(1). لكن هذه السجلات السومرية قصرت عن التعريف بالمناطق، أو التحدث عن الطرق التجارية التي سلكها التجار السومريون أو المحليون في نقل هذه البضائع، ولذلك فإن على الباحثين الاعتماد على الشواهد الآثارية المكتشفة خلال أعمال التنقيب في مراكز مجان الحضارية، والمراكز الأخرى على طول الطريق التجاري بين مجان والمناطق المجاورة. كذلك تشكل هذه الكتابات والدراسات التي اهتمت بالفترات المتأخرة خلال العصور الكلاسيكية والإسلامية عنصرًا مهمًا في الاستدلال على طرق التجارة البرية والبحرية التي سلكها التجار والملاحون الأوائل في التجارة العالمية (الشكل رقم2). أولاً: طرق التجارة البرية في مجان أ - طرق التجارة البرية الداخلية: تجدر الإشارة إلى أن الطرق البرية الداخلية المستخدمة خلال تلك الفترة لم تتضح معالمها بعد، بسبب الندرة البينة في أعمال التنقيب الأثري في سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، أضف إلى ذلك أن المكتشف لدينا حتى الآن لا يفي لرسم خارطة برية تحدد اتجاهات طرق القوافل خلال الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد. كما أن المواقع الأثرية موضوع الدراسة تتوزع شمالاً وجنوبًا شرقًا وغربًا، دون أن تكون هناك طرق واضحة المعالم تربط بينها. ورغم كل ذلك فإن الأودية كانت وما زالت تمثل أهم الطرق البرية التي يرجح أن تكون سلكتها قوافل تلك الفترة، ذلك أن نمط الاستيطان الذي لاحظته كل البعثات الأثرية التي عملت في البلاد، في القرى والواحات لاسيما الداخلية منها، كانت تتخذ لنفسها نسقا طوليا يساير اتجاه جريان الوادي(2). فقد شكلت هذه الأودية حلقات الوصل بين الأجزاء الساحلية، والمناطق الداخلية التي تفصل بينها الجبال والمرتفعات، فهي تمتاز بسهولة عبورها، لأنها سهول رملية أو حصوية، كما أن ممراتها قد تكون أحيانًا وعرة إلا أنها سالكة، فقد اعتاد السكان التنقل من خلالها
|