يمثل استدعاء الشخصيات التراثية في النص الشعري المعاصر تقنية مهمة في استدعاء التراث، وهو في اللحظة نفسها، أسلوب أدبي في التفاعل مع الشخصية التراثية، يستفيد منه الشعراء في نقل المعنى، والتعبير عن الموقف الذي يريدون، إذ يستدعون التجربة التي مرت بها هذه الشخصيات، ثم يذيبونها في تجاربهم الجديدة، فتبرِزُ إمكاناتهم في تطويع الشخصيات، وتسخير تجاربها خدمةً للمعنى. لذا يجد دارس النقد والأدب في العصر الحديث اهتمامًا واضحًا في تقنية الاستدعاء، من زوايا: قيمتها الفنية، وأهميتها للتراث عامة، ودورها الكبير في إزالة الإبهام، وكشف الغموض العالق في النص الشعري. استُعملت هذه التقنية بقوالب لفظية متعددة، منها: "الاستحضار، التوظيف، الاستلهام، الاستبطان، الاستخدام، الاستغلال، الاستعانة"(1)، وعلى اعتبار أن الشخصية المستدعاة قد تشكل وحدة نصية ذات دلالة تندغم في النص الجديد، وتتفاعل مع معناه، فإن الاستدعاء يأتي بمعنى التناص، الذي "يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن النص المبدَع لا ينشأ طفرة كلامية تتدفق على المتكلم، وإنما هو نتيجة لاستحضار واع أو منسي لتراث إبداعي سابق عليه"(2). وليس من السهل استخدام هذه التقنية في بنية النصوص الشعرية؛ لأن التراث يحمل من التعقيد ما لا يعرفه الشاعر السطحي، الذي لا يملك من الخبرة ما يؤهله لفهم التجربة، أو لا يستطيع التعبير عنها بأسلوب إبداعي خاص، وخصوصية الشخصيات التراثية في ذلك، أنها "تحمل تداعيات متعددة تربطها بقصص تاريخية أو أسطورية، وتسير قليلاً أو كثيرًا إلى أبطال وأماكن، تنتمي إلى ثقافات متباعدة في الزمان والمكان"(3)، وأن استدعاءها في النصوص الشعرية الحديثة يعد تصرفًا من قبل الحديث بالقديم، لكنه التصرف المسؤول، إذ يحس الشاعر لحظة استدعاء الشخصيات التراثية أنه أمام تجربة مملوءة بالأحداث التي سجلها التاريخ، وعرفها المجتمع، ويعي تمامًا أن هذه الشخصيات تشكل رموزًا تاريخية تحتاج إلى تفكيك، وإعادة بناء، وتوظيف صحيح، قد تخوّل التعبير عن ضمير المجتمع بدقة وأمانة، فيقول الشاعر الحديث بلسان الشخصية المستدعاة ما يريده أو ما يريده مجتمعه، وليس ما أراده الشاعر القديم، أو مجتمعه آنذاك.
|