عرفت الدولة الإسلامية منذ نشأتها الرقابة على أجهزة الدولة، وتفقد حكام الأمصار والولايات وكبار موظفي الدولة، ومتابعة تصرفاتهم، ومدى كفاءتهم، ونزاهتهم في الإدارة، وحرصهم على الأموال العامة، ثم عدلهم وإنصافهم في الرعية. وكان محمد بن مسلمة الذي تنوولت سيرته ونشاطه من الرجال الأوائل الذين عهد إليهم بذلك، وكانت حياته منذ إسلامه تؤهله للاضطلاع بهذه المهمة الجسيمة. وقد استعرضت هذه المقالة سيرته منذ إسلامه، حيث عهد إليه الرسول الله صلى الله عليه وسلم الإشراف على إجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة لما أخلوا بشروط الأمان، كما أرسله عليه افضل الصلاة وسلام إلى يهود بني النضير ليبلغهم أمره لهم بالخروج من بلده عندما هموا بالغدر به، وعهد إليه الرسول الله أن يتولى تسلّم دورهم وقبض أموالهم فخرجوا تحت إشرافه، وفي عهد عمر بن الخطاب ــ رضي االله عنه ــ وُلِّي على صدقات قبيلة جهينة، ثم استدعاه عمر ليكون بجواره وأعده لكشف الأمور المعضلة في الأمصار والولايات بعد امتداد الفتوحات الإسلامية وزيادة مسئولية الخليفة في الرعاية والرقابة، وكان محمد بن مسلمة في عهده أول مفتش عام في الإسلام، وكان عمر إذا استعمل عاملاً أحصى ماله وسجله في سجل لديه حتى إذا ما ظهر عليه الثراء حاسبه، ولما رأى عمر بيتًا يبنى بحجارة وجص وسأل عن صاحبه وعرفه بعث إليه محمد بن مسلمة فأحصى ماله واستدعاه لمقابلة الخليفة فشاطره الخليفة ماله لإبعاد أي شبهة عن عماله، ولما علم بثراء عمرو بن العاص في مصر كتب إليه يسائله وبعث إليه محمد بن مسلمة وطالبه أن يشاطره ماله، ولما بلغه أيضًا أن سعد بن أبي وقاص عامله في الكوفة قد اتخذ قصرًا وجعل له بابًا يمنع الناس من الدخول إليه، بعث إليه وأمره أن يحرق ذلك الباب لأنه كان يشترط على عماله ألا يتخذ أحدهم بابًا يمنع الناس من الدخول عليه، ولما استشهد وآل أمر المسلمين إلى عثمان ــ رضي الله عنه ــ ظل ابن مسلمة بجواره يعينه بالرأي السديد والنصح في كثير من أمور الدولة، وقد أرسله إلى الكوفة لاستطلاع آراء الناس حول العامل على الكوفة فلم يجد شيئًا ينكره عليه، وسكن في ضواحي المدينة إلى أن توفي سنة 46هـ.
|