تناول الكاتب في هذه المقالة نماذج من نظرة العرب الجاهليين والإسلاميين إلى النبط الذين كانوا يقومون في الغالب بالأعمال الحرفية التي يحتاجها المجتمع ويترفع عنها العرب. وقد وردت الإشارة إلى النبط في شعر الأعشى الكبير ميمون بن قيس لأمرين: لكونه في اليمامة التي تجاور سواد الكوفة نسبيًا إذا قرنت بكثرة أسفار الأعشى، ولأن قبائل نجد كانت أدخل في البداوة وقوانينها من بقية القبائل العربية في أجزاء الجزيرة العربية، وهكذا نجد أنه لتوسط بلاده نراه يذكر من البلاد التي سافر إليها الحبشة، ونجران من الجنوب، وعمان من الشرق، وأرض النبط وأرض العجم من الشمال الشرقي، وحمص وبيت المقدس من الشمال، والأعشى يصف مواضع بعيدة بأنها تشبه أبراج نبيط مشيدة من الجص والآجر والحجارة. والنبط أهل مدر لا وبر، وهم أيضًا أهل حرث وزراعة، وكانت قبيلة إياد قد ذُكِرت بأنها تفعل كما فعل النبط، فقد مالوا للاستقرار والاشتغال بالحرف. وكان للحجاج كاتب نبطي يُدعى حسان، ولما كان النبط أدخل في باب الحضارة من العرب، فقد كانت نساء النبط حاذقات في أعمال المطبخ. فلما نشر الإسلام المساواة سمت على العصبيات ونُظِر إلى النبط بعين العدل، ولكن لما جاء الأمويون عادت العصبية ضد النبط، وميزهم الحجاج عن غيرهم بالوشم، ولم تك النظرة إليهم في العصر العباسي بأحسن منها في العصر الأموي، ولم يقتصر أمر احتقار النبط على المحكومين من الناس، بل تجاوزه إلى الحاكمين، ولم يُؤثر في النبط أنهم افتخروا بنسبهم، ولعل ذلك يرجع إلى عوامل أهمها عدم وجود ظهير لهم، واختلاطهم وذوبانهم بغيرهم.
|