ناقش الكاتب قضية الصدق والكذب في الشعر وآراء النقاد فيها مع التركيز على وجهة نظر حازم القرطاجني في الموضوع، وقد رجع لكتاباته علاوة على كتب النقد والبلاغة . وتطورت دراسة هذه القضية النقدية وتشعبت دراستها بحيث تناولت : المبالغة، والإيغال، والغلو، وقد تعرض لبحثها ابن طباطبا العلوي، وقدامة بن جعفر، والفارابي، وابن سينا، وأبو هلال العسكري، والآمدي، والحاتمي، وعبدالقاهر الجرجاني، وابن رشيق القيرواني، وحازم القرطاجني الذي تعد دراسته للقضية أكثر الدراسات ثراء . لقد تحدث القرطاجني عما تقوم به صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع، وفرّق بين الخطابة والشعر من ناحية صلتهما بالصدق والكذب، فذكر أن الأصل في الخطابة هو تقوية الظن وليس إيقاع اليقين إلا إذا عدل الخطيب عن الغرض الأساسي وهو الإقناع إلى التصديق، أما الشعر فإن قوامه هو تخييل الأشياء التي يعبر عنها بالأقاويل، وبإقامـة صورها في الذهن بحسن المحاكاة، وبما أن التخيــيل لا ينافي اليقين كما نافاه الظــن، لأن الشيء قد يخيل على ما هــو عليه وقد يخيل على غير ما هو عليه، وجب أن تكــون الأقاويل الخطبية غير صــادقة ما لم يعــدل بها عن الإقناع إلى التصديق؛ لأن ما يتقوم به وهو الظن مناف لليقين، أما الشعر فهو غير مقيد بالصدق ولا بالكذب بل يرد فيه الأمران كلاهما؛ لأن الأساس المعتبر في الشعر وهو التخييل غير مناقض لأي منهما، ومن هنا يرى القرطاجني أن مقدمات الشعر تكون صادقة وكاذبة، وقوة الصــدق في الشعر وخفاء الكذب فيه من عوامل الارتقاء بالتخييل الذي يعد المظهر الرئيس في الشعر .
|