تناول البحث قوتين سياسيتين رئيستين برزتا على طول الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية في بداية القرن الثالث عشر الهجري/ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي هما: الدولة السعودية وحكومة مسقط البوسعيدية، وكان إلى جانبهما قوتان أخريان هما: الاتحاد القاسمي، ومشيخات العتوب؛ وقد تنافست القوتان الأوليان في التوسع على حساب نفوذ القوتين الأخريين وغيرهما من قبائل جنوب غرب الخليج العربي.
ورمى البحث إلى الإسهام في معرفة الظروف التي دفعت كلا من الدولة السعودية وحكومة مسقط إلى التنافس على كسب ولاء قبائل جنوب غرب الخليج العربي، والدوافع التي وجهت مواقف تلك القبائل من كلا الدولتين، وتحليل أثر مقتل السيد سلطان بن أحمد حاكم مسقط على مسار التنافس وعلى مواقف القواسم والعتوب وأهل الظاهرة منه؛ وحددت الفترة الزمنية للبحث لأنها شهدت بداية التنافس والاحتكاك بين الدولة السعودية وحكومة مسقط، وتمثل نهايتها مقتل السيد سلطان بن أحمد ونتائجه وقد استهل بتناول ظهور البوسعيديين وحكومة مسقط، متطرقا إلي ضعف نفوذ اليعاربه حكام عمان، وتنازعهم على الإمامة، فانقسام القبائل العمانية في أواخر النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري، وبروز أحمد بن سعيد البوسعيدي حاكم صحار، واختيار العمانيين له إماما عام 1162هـ، وكان ذلك بداية تأسيس أسرة حاكمة جديدة في عمان هي أسرة البوسعيديين، وقد غدت مسقط في عهده مركزا تجاريا مهمًا، وخلف سعيد أباه ولم يكن يدرك التحول الذي تمر به عمان، وظل في عاصمته الرستاق في الداخل، فبادر ابنه أحمد بالقبض على زمام الأمور في مسقط وأغلب الأقاليم العمانية والساحلية وزنجبار، وهكذا اقتسمت البلاد العمانية حكومتان حكومة الإمام في الرستاق والداخل، وحكومة مسقط التي عنيت بتطوير أسطولها وتجارتها البحرية؛ وانقسمت البلاد بعد وفاة السيد أحمد عام 1206هـ، فاستقل قيس بصحار، ومحمد بالسويق، وسلطان بمسقط وبركة والمصنعة والساحل، والإمام سعيد بالرستاق. وقد اهتم سلطان بن أحمد بتطوير قوته البحرية وأسطوله التجاري وبتوسيع نفوذه السياسي والتجاري، وأصبحت مسقط العاصمة السياسية لعمان والمركز الرئيسي لتبادل التجارة بين حوض الخليج العربي، والهند والبحر الأحمر وشرق أفريقيا، وتمخض عن توجهات سلطان بن أحمد إلى إهمال أمور الإمامة والقبائل والأقاليم الداخلية، وأخذت عمان تتعرض لضغوط سياسية وعسكرية من داخل الجزيرة العربية مارستها الدولة السعودية. وتناول الباحث ظهور الاتحاد القاسمي ونشاط شيوخ القاسم الذين تنبهوا إلى أهمية السيطرة على مدخل الخليج العربي وجزره. كما تناول ظهور مشيخات العتوب وأبرزها آل صباح وآل خليفة وآل جلاهمة؛ وقد أقام العتوب قوة تجارية وسياسية على الساحل الغربي للخليج العربي خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي، وتناول ظهور الدولة السعودية في نجد وامتداد نفوذها إلى شرق جزيرة العرب، متطرقا لبروز دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب السلفية ومؤازرة الأمير محمد بن سعود حاكم الدرعية للدعوة، وتوجه مجهودات الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود وابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود لنشر الدعوة وتطبيق مبادئها بتوحيد الأقاليم النجدية تحت مظلة حكومة مركزية في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة هي الدولة السعودية، التي برزت خلال العقد الثاني من القرن الثالث عشر للهجرة بصفتها قوة سياسية وعسكرية عظيمة، امتد نفوذها إلى أغلب أقاليم شبه الجزيرة العربية. وقد تزامن بروز وتوسع الدولة السعودية مع ظهور وازدهار دولة البوسعيديين في عمان ومسقط والاتحاد القاسمي في شمال عمان ومشيخات العتوب التجارية في الكويت وقطر والبحرين؛ وبما أن الدولة السعودية وحكومة مسقط كانتا أقوى كيانين سياسيين فإنهما قد دخلا طرفين في تنافس، وسباق للسيطرة على الأقاليم والقبائل والكيانات السياسية الأخرى على الساحل الغربي للخليج العربي. وتناول امتداد النفوذ السعودي إلى مستوطنات العتوب، وإلى عمان الصير، وقد تحالف القواسم مع الدولة السعودية وجعلوا ولاءهم لها، وهاجموا معها حكومة مسقط، وكان أهل الظاهرة وزعيمهم من أبرز حلفاء الدولة السعودية، وقد أسهموا في دعم الحامية السعودية في البريمي، وامتداد النفوذ السعودي إلى عمان، وقد انتهى البحث بخاتمة أبرزت حرص قادة الدولة السعودية على نشر الدعوة السلفية، ومد نفوذهم السياسي على قبائل وموانئ جنوب غرب الخليج وعمان، ورجحان كفة السعوديين في منافستهم للبوسعيديين على كسب ولاء قبائل جنوب غرب الخليج ومد نفوذهم إلى مسقط، بفضل تفوق قواتهم البرية، وانتشار الدعوة السلفية بين قبائل شمال عمان والظاهرة، ومساندة العتوب والقواسم الذين رأوا في قوة الدولة السعودية دعما قويا يساعدهم على التخلص من سيطرة حكومة مسقط.
|