تناولت الدراسة حياة العرب وظاهرة البداوة فيها، وهدفت إلى بحث أثرها في اللغة العربية، مع التركيز على جانب متصل بمعيشة العربي من قديم في الصحراء وهو الإبل، التي عرف فيها قوة التحمل والصبر على العطش والجوع، ومعرفة الطرق، ووسيلة الحمل لمتاعه ومائة وعتاده، ومن وبرها صنع بيته وكساءه، ومن لبنها ولحمها شرب واغتذى وأكرم الضيفان، وقل أثارت خياله، وحركت مشاعره، وألهمته شعرًا غزيرًا، وأثرت لغته بالمفردات والتراكيب العديدة، وقد وضع العرب معاجم لها، وأفرد العلماء للإبل أبوابًا مستقلة في معاجم المعاني والموضوعات. وبقي شطر من ألفاظ الإبل محافظاً على دلالاته القديمة، وتطورت مع الأيام دلالات كثيرة من تلك الألفاظ، مبتعدة عن أصلها الحيواني، وحصر علماء اللغة ما طرأ على المعاني من تغيير في أنواع ثلاثة: تغيير مجال الدلالة وذلك بانتقال اللفظ من مجال دلالته إلى مجال دلالة أخرى لتشابه بين الدلالتين أو لقرب بينهما أو مناسبة. نحو كلمة تَعالَ، فأصلها تفاعل من العلو، أي ارتفع، ثم أكثروا استعمالها حتى جعلوها بمنزله أقبل، فصار الرجل يقول وهو في الموضع المنخفض للذي هو على مكان مرتفع تَعالَ، أي أقبل. ثم تغيير نحو تخصيص المعنى، من نحو كلمة البهيم وهو في أصل اللغة اللون الخالص الذي لا يخالطه لون آخر، سواء أكان أبيض أم أسود أم غيرهما ثم أصبح يدل على اللون الأسود. والتغيير نحو تعميم المعنى، من نحو كلمة الرَّحْل وهو السرج في أصل اللغة كما ذكر الحريري، ثم صارت تعني متاع الرجل وما يستصحبه من الأثاث. ثم التغيير الانحطاطي، من نحو كلمة المستهتر، وأصلها المولع بالشيء، ومنه المستهترون أي المولعون بالذكر والتسبيح؛ فصارت تعني المولع بالأفعال السيئة، غير المبالي بغيره. والتغيير المتسامي، من نحو كلمة الشاطر، وهي في أصل اللغة من أعيا أهله ومؤدبه خبثًا ثم ارتقت فصارت تطلق على اللص ذي الحيلة، ثم صارت تعني الفتى الذكي المثابر. والتغيير نحو الضِّدبه، من نحو كلمة النّاهل، وهي في الأصل للرّيان، ثم أصبحت تدل على الريّان والعطشان معًا، وإنما قيل للعطشان ناهل من باب التفاؤل.
وقد ذكر علماء اللغة أنه لابد من وجود علاقة بين المعنيين الأصلي والجديد، لكنهم لم يشترطوا في هذه العلاقة المطابقة التامة، بل اجتزأوا بوجود أدنى علاقة. ويركز الباحث على التغيير المتصل بتعميم الدلالة المعروف بتوسيع المعنى أو امتداده، أي انتقال الكلمة من معنى ضيق إلى معنى أو معان أوسع، ويعلله العلماء بكثرة الاستعمال، لأن كثرة استخدام الخاص في معان عامة عن طريق التوسع تزيل مع تقادم العهد خصوص معناه وتكسبه العموم. وقد أصاب هذا التغيير كثيرًا من ألفاظ الإبل، أي تعميم دلالتها أو توسيعها؛ واستعرض الباحث طائفة من هذه الألفاظ فأورد المعنى الفرعي للفظ، وأصله القديم، مستشهدًا بشواهد من القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو الشعر العربي.
وانتهى الباحث إلى أن المعاني الحسية أسبق من المعاني المعنوية، كقولهم تسنّم ذروة المجد، فهذا مأخوذ من سنام البعير.
|