تميز المجتمع النبطي بشيء من الترابط الأسري الذي يظهر من خلال استقراء نقوشهم لا سيما النقوش الجنائزية في الحجر(1)، إذ حرص أفراد الأسرة وبخاصة القادرون منهم على تأمين مقبرة تحويهم، وتحمي رفاتهم من عبث العابثين؛ مما يدل على معاني التكافل الأسري قبل وفاتهم وبعدها. كما ظهر هذا الترابط من خلال ما ذكره استرابو (Strabo) نقلاً عن صديقه الفيلسوف أثينودورس (Athenodrus) عندما قال: "إنه رأى كثيراً من الرومان والأجانب الآخرين يتجولون في المدينة، وأن بينهم منازعات قضائية أو فيما بينهم وبين المواطنين، ولكنه لم ير وطنياً يقيم دعوى قضائية ضد مواطن آخر، وأنهم يعيشون في سلام فيما بينهم"(2). وفي موضع آخر يقول عن الأنباط: "لقد كانوا لا يمتلكون عدداً وفيراً من العبيد، حيث إن أقاربهم يقومون على خدمتهم أو يخدم الواحد منهم الآخر"(3). ومن خلال هذا البحث بالاعتماد على النقوش حاولنا تتبع مظاهر هذا الترابط في الأسرة الواحدة واستعراضه، من حيث علاقة النبطي بوالديه وإخوته، ثم بزوجته وأبنائه وأحفاده، ثم علاقته بباقي أقاربه من الورثة والنسب والصهر، بشكل يظهر بحق هذه اللحمة الأسرية عند الأنباط.
|