تناول العلماء الاجتماعيون والسياسيون والاقتصاديون في دراساتهم مناطق التجمع الحضري والريفي، وهم مجمعون على وجود الاختلافات بينهما، ومن بينهم ابن خلدون. وهدف الباحث إلى عرض أهم نظرياتهم بشأن الموضوع، ورجع للإحصاءات والتقارير والدراسات الاجتماعية والحضرية والأنثربولوجية. وقد بدأ الباحث بعرض طروحات (ويرث) بشأن التحضر في المدن الغربية واعتماده على أسس ثلاثة: عدد السكان، وكثافتهم، ودرجة تمايزهم. وقد تعرضت وجهة نظر (ويرث) للنقد لأنها عاجزة عن تفسير التحضر في مدن غير غربية كمدينة القاهرة. وإنه لصحيح أن هناك فرقًا بين المدينة والقرية في البلدان النامية، إلا أننا نجد في المدن نفسها ظواهر غير حضرية متعايشة جنبًا إلى جنب مع الظواهر الحضرية. ثم عرض الكاتب دراسات (ردفيلد) التي ركزت على الريف، والنموذج الذي طرحه للثقافة الشعبية مقابل نموذج التحضر. وقد انتقد (لوسي) نموذج (ردفيلد) من ناحيتين: أولاهما أن هذا النموذج يركز في المقام الأول على المدينة بوصفها مصدرًا للتغير، واستبعاد العوامل الداخلية والخارجية أوإهمالها. وثانيتهما أن (ردفيلد) في دراسته الحقلية عن المجتمع الريفي المكسيكي قد استعمل أحكامًا ذاتية أدت به إلى أن ينظر إلى الناحية الأخلاقية للمجتمع الريفي المدروس من زاوية خاطئة، كما انتقد (ماكجي) النموذج للازدواجية التي قد تتمثل بوجود المظاهر غير الحضرية في منطقة حضرية بسبب الهجرة، ولفشل النموذج في محاكاة الواقع؛ ولعل نظرة (سوبيرج) في اعتماد نموذج تتمازج فيه المظاهر الحضرية وغير الحضرية تمثل تفسيرًا ملائمًا أكثر في دراسة المدن في الدول النامية، والذين نقدوه قدموا نموذج المستوطَنة أو المدينة المستعمرة التي تمخضت عن الاستعمار الذي غشي بلدانًا كثيرة، لكن هذا النموذج لا ينطبق دائمًا في كل البلدان النامية، وخلص الباحث إلى أن هذه النماذج كافة عنيت بوصف تكون المدن، وتجاهلت المتغيرات السلوكية داخلها.
|