هذا وصف لبعثة أحمد بن فضلان إلى بلاد الصقالبة على رأس مجموعة من ثلاثة آلاف عالم ومهندس وطبيب وصيدلي وعامل لتحصين مملكة الصقلب (بلغاريا) المسلمة من هجوم الخزر اليهود، وتلقين أهلها مبادئ الدين الإسلامي وعلاج مرضاهم، وتطور أوضاع الحياة في تلك البلاد، وكان قد أرسلهم لهذه المهمة الخليفة العباسي المقتدر منذ ما ينيف عن ألف عام؛ وفي طريقه إلى بلغاريا اختطفه جماعة من (الفايكنغ) سكان إسكاندنيافيا؛ وكتب ابن فضلان تقريرًا مفصلاً رفعه إلى المقتدر عن رحلته وما واجهه ورآه عقب عودته من أصقاع إسكاندنيافيا ووصوله إلى بغداد؛ وقد قضى "بير فراوس دولوس" سبع سنوات في جمع مادة هذا التقرير الضائع من بطون الكتب العربية والغربية وذلك بين 1952-1959م. ويعد "مايكل كريتشون" مخطوط ابن فضلان أقدم تسجيل معروف كتبه شاهد عيان عن حياة الفايكنغ الإسكاندنيافيين ومجتمعهم الذي وصفه ابن فضلان بتجرد وموضوعية أنه كان مجتمعًا أميًا جاهلاً قذر المظهر والعادات وثني المعتقدات يعيش على العنف والحرب، بعكس المجتمع العربي الإسلامي في العصر العباسي بما كان يتمتع به من تقدم روحي وعلمي وأدبي وازدهار اقتصادي؛ وقد قدم ابن فضلان وصفًا دقيقًا للفيندول وهم سكان الكهوف البحرية بالفيوردات الإسكاندينافية الذين كانوا يهاجمون مملكة روثغار التي ذهب ابن فضلان مرغمًا مع جماعة من الإسكاندنيافيين للدفاع عنها، فكان مظهرهم ووحشيتهم تشدّ الانتباه، ويعلّق الغربيون على ذلك بقولهم: إن أولئك القوم كانوا يعيشون في عزلة في مناطقهم النائية، واتهموه بالمبالغة في وصفه أهل الشمال بالعمالقة، لكن كلمة العمالقة لا تعني بالعربية بالضرورة المخلوقات الأسطورية الفارعة، بل قد تعني أيضًا من يزيد طولهم عن المألوف بين الناس؛ ويخلص الباحث إلى أنه يُنظر إجمالاً إلى وصف ابن فضلان بأنه موضوعي ودقيق.
|