تناول الكاتب تعريف الفلك الفطري عند العرب، ويفرق بينه وبين الفلك المعاصر، وقد رجع لكتب الأنواء والتقاويم والمعاجم والسير المتصلة بموضوعه، واستهل بتعريف الفلك الفطري عند العرب من خلال معايشة العرب وتفاعلاتهم اليومية في جزيرتهم مع الظواهر الفلكية المختلفة وما أسفرت عنه من انطباعات وملاحظات ومعارف ومسميات تتصل بالأنواء من برد وحرٍّ وبرق ورعد ومطر، وبالشروق والغروب والنهار والظلمة، وبالنجوم والشهب والشمس والقمر، والسماء عند العرب كالمرآة تعكس المسميات الأرضية، لأن فيها الراعي والأسد والثعبان والجمل والفرس والكلب والنسر والحوت والدلو والسهم والميزان وغيرها. وقد جاءت اللغة العربية حافلة بالكلمات والمصطلحات والمسميات الفلكية التي توضح عمق الإحساس الفلكي الفطري عند العرب الذي ساعد في تكوينه وتربيته عوامل عديدة منها سعة الصحراء العربية، وانكشافها، وصفاء أجوائها، وندرة تلبد الغيوم، وانعقاد الضباب، وأسلوب حياة العرب فيها، وقد ثبت من دراسة التراث ومن المشاهدات في جزيرة العرب أن العرب كانوا يفضلون السرى في الليل تحت أستار الظلام على السير في النهار، لاتقاء أشعة الشمس، واتقاء عيون الأعداء والطامعين، والعرب في إدلاجهم تفرسوا نجوم السماء. وللمطر أثره البليغ في حياتهم وحياة أنعامهم وتلبية الحاجة للماء والغذاء، ولذلك ليس غريبًا أن يكون للمطر وصوره وظلاله عناية في الشعر العربي الذي حفل بالكثير من الكلمات والتعابير والأمثال المتعلقة به، وهم يتتبعون مواقع المطر والكلأ بفطنة مسترشدين بمعالم الأرض والسماء ونجومها وكواكبها وبروجها، وقد سموا تلك النجوم وكوكباتها وأجزاءها بل سموا الأماكن الخالية فيها بالفُرَج جمع فرجة، والأنواء عندهم ثمانية وعشرون نوءًا والفُرَج ثمان وعشرون فرجة، وسموا بعض هذه الفُرَج، فدعوا الفرجة بين نوء النعايم ونوء سعد الذابح بالبلدة، وسموا الفرجة ما بين الثريا والدبران بالضيِّقة. وقد عرف العرب مظاهر التوقيت اليومي والشهري والحولي، وأدركوا بقياس الظل مقدار الوقت بصورة تقريبية، واختتم الكاتب مقالته بشواهد شعرية توضح مجالات الفلك الفطري عند العرب.
|