يتناول الكاتب جهود علي الجارم في مجال الرواية التاريخية؛ لبيان أثره في بنائها الفني والقضايا التي عالجها فيها، وقد رجع إلى قصص الجارم ذاتها وإلى الدراسات التي تناولتها. ويعد علي الجارم من الأدباء القلائل الذين اهتموا بالرواية التاريخية من منظور إسلامي صرف، فقد أخضع الفكرة القصصية للرؤية الإسلامية الصافية، وقد كتب عددًا من الروايات التاريخية التي تناولت فترات عديدة في تاريخنا الإسلامي اختيرت بعناية لتلقي على الحاضر بظلالها، من خلال أحداثها وشخصياتها. وتناول علي الجارم قضية الاستعمار الأجنبي وسيطرة المحتلين والصراع الحضاري بين النموذج الوافد والنموذج الموروث، وطرحها من خلال رواياته مؤكدًا على انتصار الأمة ضد الغاصبين والمحتلين، مستهدفًا بعث روح الأمة وشحذ همتها، وهو يعيد للغة العربية احترامها من خلال أسلوبه الروائي؛ إن دور علي الجارم في أسلوب الرواية يشبه إلى حد ما دور البارودي في الشعر، لتركيزه على قوة السبك وجزالة اللفظ وغرابته أحيانًا. ويتناول الكاتب روايتين من الروايات التاريخية للجارم بالدراسة التطبيقية وهما : هاتف من الأندلس، وغادة رشيد، ويتضح من دراستهما أن الرواية التاريخية عند الجارم هادفة ولها غاية واضحة ومحددة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع مع العدو الخارجي والعدو الداخلي الذي يتمثل بالفرقة والأنانية والغفلة والظلم الاجتماعي والطغيان واستباحة دماء الأشقاء. ويبدو أن الجارم قد ظل وفيًا للأحداث كما نقلتها كتب التاريخ والأدب، ويتخذ الشخصيات مجرد إطار خارجي لتحريك الأحداث التاريخية. وإن ارتفاع مستوى الحوار على لسان بعض الشخصيات يعود إلى اهتمام الجارم بالصياغة الأسلوبية. والخلاصة أن الجارم قد قدّم من خلال رواياته التاريخية التاريخ العربي الإسلامي من وجهة إسلامية في عصرنا الحديث.
|