تابع الباحث معالجته للحركة العلمية في مكة المكرمة في العصر الأموي، وكان قد ناقش من قبل مظاهر النشاط العلمي فيها وسيرة أصحابه ومؤلفاتهم، وقد وُجِد أنه كان من أهل مكة المكرمة من كانت مهنته التعليم في الكتاتيب، وكان من الكتاتيب كُتّاب أبي عثمان، وكُتَّاب في زقاق مهر، وكان هناك دار بأسفل مكة لصفوان بن أمية بن جمح تُسمّى دار الورّاقين ولكن لا قرينة على وجودها أثناء العصر الأموي . وكان التفاعل العلمي بين مكة المكرمة والأمصار الإسلامية نشيطًا، فكان طلاب العلم يأتون مكة المكرمة ليأخذوا العلم عن علمائها من أمثال عمرو بن العلا البصري المتوفَّى سنة 140هـ، وأيوب السختياني البصري المتوفى سنة 130هـ، وعمر بن ذر الكوفي المتوفى سنة 114هـ، وميمون بن مهران الكوفي المتوفى سنة 117هـ، وكان علماء الأمصار حريصين على حضور موسم أداء فريضة الحج والالتقاء بعلماء مكة المكرمة، وكان منهم طاووس بن كيسان اليماني المتوفى سنة 101هـ، والحسن البصري المتوفى سنة 114هـ، وجابر بن زيد البصري المتوفى سنة 93 هـ، وغيرهم، وحرص العلماء على إفادة طلبة العلم عندما ينزلون مكة المكرمة مثل عروة بن الزبير، وكانت مواضيع الحركة العلمية ترتكز على القرآن الكريم والتفسير والحديث الشريف والفقه، وكان ابن عباس في مجالسه يخّصص أيامًا أو محاضرات للشعر والأنساب وأيام العرب واللغة، ولم تلق السيرة النبوية والتاريخ اهتمامًا من علماء مكة المكرمة، وكان معظم المشاركين في الحركة العلمية من الموالي من أصول مختلفة فعطاء نوبي الأصل، وعمرو بن دينار فارسي الأصل، وابن جريج رومي الأصل، وعكرمة بربري الأصل، وكان من العلماء القرشيين الذين برزوا ابن أبي مليكة. وكان في مكة المكرمة في العصر الأموي ما يشبه النوادي الثقافية والاجتماعية ومنها المجالس كمجلس عبدالله بن خالد ين أسيد، وكان عبدالحكم بن عمرو الجمحي قد اتخذ بيتًا فجعل منه شطرنجات ونردات ودفاتر من كل علم وجعل في الجدار أوتادًا، فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، ثم جرّ دفترًا فقرأه، أو اختار بعض ما يُلعب به فلعب به مع الاخرين، وممن ارتاده الأحوص الشاعر .
|