طال الزمن والقدماء والمحدثون يدورون في حلقة مفرغة، مذبذبين بين نسبة النابغة تارة إلى الغساسنة، وتارة أخرى إلى المناذرة، بحيث أوجدوا علاقات له هنا، وعلاقات له هناك؛ علاقات حسنة، ثم مضطربة مع هؤلاء، وعلاقات صداقة ونجدة مع أولئك. وهذا ما لا يكون أبداً فيما هو معروف من سيرة التاريخ العربي القديم، حيث يكون الانتماء قبليا كلية، وإقليميا كلية، وحيث تكون مساحة العفو والتسامح ضيّقة جدا في الدوائر السياسية القديمة. وتجاوزًا عن تلك الأقوال المكرّرة حول هذه العلاقات، يمكن الإشارة إلى بعضها، فقد ذهب بروكلمان إلى جعل النابغة يتّصل سرًا بملوك غسان في دمشق، وهم أعداء اللخميين، فظن فيه النعمان بن المنذر الخيانة وعدم الوفاء، وغضب عليه، فهرب إلى الغساسنة(1). ولم يعرض بروكلمان النصوص التي تربط النابغة بالغساسنة على محك النقد. ومن هذا قول العشماوي: "يأتلف العدوين في وقت واحد... غسان والحيرة... لكي يرضى عن نفسه كشاعر أجاد الرسالة وأداها"
|