تفتّقت عبقرية علماء العربية في أواخر القرن الرابع الهجري عن فنون شعرية جديدة شملت العشرات، والمداخل، والمشَجّر، والمسَلْسَل، وكانت قصائد المعاني ضربًا متميزًا من التصانيف اللغوية، وقد استخدم العرب الشعر من بحر الرجز على نحو خاص ليكون وسيلة لاختزال القواعد النحوية وتجريدها، وتعد ألفية ابن مالك خير مثال على ذلك، واستخدم شكل القصيدة لصياغة الأحكام المختلفة، ومن ذلك قصائد المتون التي ظهرت في أواخر العصر العباسي، وقصائد السير كالنونية القحطانية، والقصائد التي تدور حول موضوع علمي واحد كالفلك، كقصيدة محمد عبدالله القاضي في حساب المنازل والبروج، وركز الكاتب على قصائد علماء العربية الذين جعلوا كل بيت في القصيدة لتوضيح معنى معيّن. وكان ثعلب أحمد بن يحيى المتوفَّى سنة 291هـ قد سبق في نظم قصيدة ضمّنها معاني كلمة الخال، ثم كثر التصنيف في هذا المجال، كقصيدة أحمد بن معروف في تعريف الخال، وقصيدته الأخرى في معاني كلمة صالح. ومن قصائد المعاني المشهورة قصيدة العالم اللغوي أبي الحسين أحمد بن فارس التي صرّف فيها معاني كلمة العين المختلفة، ففسر كلاً منها في بيت شعر ذيِّل بكلمة العين، والقصيدة من البحر البسيط. وصنّف ابن فارس هذه القصيدة في العين متأثرًا بصنع ثعلب في قصيدة الخال سابقة الذكر. ومن قصائد المعاني قصيدة الإقليشيّ التي جمع فيها تَصَرُّف الحال ووجوهها، وتمتاز عن غيرها بأنها أوضح في الدلالة على المعاني التي تنصرف لها كلمة الحال، واستشهاد الناظم لمعانيه وإسهابه في توضيحها. ومن الواضح أن المعاني التي تنصرف إليها الألفاظ المعشرة في هذه القصائد تبرز الأسباب التي تثري اللسان العربي بالمعاني المختلفة، وتعكس وسائل العربية وأساليبها في التعبير عما يستجدّ.
|