تناول الكاتب نظم القصيدة النبطية، مستهدفًا بيان جانب المعاناة والإبداع لعملية النظم، وقد رجع إلى عدد من قصائد الشعر النبطي من غير أن يوثق مصادرها، وقد أبان في مقدمته أن من التقاليد المتوارثة عند الشعراء النبطيين أن يُستهلّ بعدة أبيات يصف فيها مشقة النظم، ويعبِّر فيها عن رأيه في الإبداع الشعري ومفهومه له، وتكون هذه الافتتاحية جزءًا من البنية الفنية والنسيج الكلي للقصيدة النبطية، ومن الممكن عن طريق دراسة هذه الافتتاحية في القصيدة النبطية وتحليلها أن نستخلص آراء الشعراء النبطيين وتجربتهم في نظم قصائدهم. والشاعر النبطي تنقاد له القوافي عندما تهيض قريحته، ومنهم من يشبه قريحته بالطوفان، والمخاض الشعري في بدايته أشبه ما يكون بحالة من الهذيان أو الذهول، لكن الشاعر النبطي لا يمكن أن يقبل كل ما يرد على خاطره، بل لا بد أن يردد نظره في القصيدة ويجيل فيها عقله ليصونها عما يفسدها أخذًا في الحسبان للاعتبارات الفنية، والجمالية، وصياغة أبياته، وعرض أفكاره بحيث تؤدي الغرض المنشود منها. ويوازن الشعراء النبطيون بين الإلهام الشعري والريح حينما تهب، أما النظم فإنهم يشبهونه بالغربلة والتذرية التي تصفي الحب وتفصله عن التبن، كما يشبهونه أحيانًا بالإبحار لأنه رحلة ذهنية في بحر عميق من الأفكار والمعاني. ولئن كانت العواطف والأحاسيس هي مصدر الإلهام الشعري فإن النظم يظل عملية ذهنية شاقة يمارسها الشاعر بوعي ويبذل فيها الكثير من التروي والتأمل، فيختار الشاعر كلماته وينظم أبياته بعناية وتدبّر باذلاً الجهد في التماس المعاني الصائبة والألفاظ المتخيّرة، فيعمد إلى تجبير كلامه وتجويده وتنقيح الأبيات وتثقيفها يساعده في ذلك صدق الحس وصفاء الخاطر. وتخضع بحور الشعر النبطي وقوافيه لقواعد صارمة مما يجعل عملية النظم مهمة بطيئة غير يسيرة، حيث لا بد أن تكون أبيات القصيدة كلها على الوزن نفسه، وينقسم البيت إلى مصراعين، والقصيدة عادة لها قافيتان، واحدة تحكم المصاريع الأولى من الأبيات، والأخرى تحكم المصاريع الثانية، ولأهمية القافية عند الشعراء النبطيين فإنهم يسمون القصيدة "قاف" أو "قيفان"، وهم يبحثون عن أبكار المعاني وعن الجمال في أكمل صوره.
|