للشعر عند البارودي وظيفة مهمة في حياة الأفراد والجماعات أقربها تهذيب النفوس وتدريب الأفهام وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق، ولا أدلّ على ذلك من خشوع جوارحه وذوبان نفسه في حسن التذلل لله سبحانه، وهو يتعلق بحبال الدعاء والضراعة، وبكرامة المصطفى صلى الله عليه وسلم طالبًا العفو والمغفرة من رب العباد، وقد عرف عن محمود سامي البارودي حسن الاتصال بالإسلام نصًا وروحًا، عملاً واعتقادًا، مما أظهر الكثير من الآثار الإسلامية في أقواله وأفعاله، إلى جانب خلق كريم قويم حبّبه إلى قلوب الناس فأمال قلوبهم نحوه، ويظهر في شعره حسن الوصف والتضمين من معاني القرآن الكريم معنى ولفظًا، وحسن الدعاء والتوسل إلى الله القدير لينجيه من مصيبة الغرق وهو على ظهر سفينة تمخر به وبرفاقه عباب البحر الشامت بهم. وتتكرر ألفاظ القرآن والمعاني القرآنية فيه، وكأنه استجار بالله قلبًا وقالبًا، وهذا لايكون إلا ممن اتخذ الإيمان سبيلاً إلى قلبه، فعندها ترجم أحاسيسه إلى أقوال وأفعال. ولعل المواقف الحرجة التي لاقته قد أثرت في نفسه فزادته يقينًا وحبًا لله سبحانه، ودعته إلى أن يسلك سبيل الرشاد، فيحاسب نفسه على كل صغيرة وكبيرة، فيظل بذلك مراقبًا لله عزّ وجلّ. فغدت نفسه زاهدة ولا سيما أنه صار يرى الفجيعة تلو الفجيعة تحل به أو بالقرب من داره. ثم تناول الكاتب الاقتباس القرآني في شعر البارودي مما يعكس النزعة الإسلامية القوية في شعره، وارتباطه بكتاب الله، واستشهد الكاتب بشعره الذي قاله في السجن زُجَّ فيه بعد أن ألقى الإنجليز القبض عليه وعلى رفاقه، ورحلوهم إلى المنفى في جزيرة سيلان. وردد البارودي في شعره الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومطالبته بإقامة العدل، وطاعة الله، وإقامة الشورى. وانتهى الكاتب إلى أن الاقتباسات اللفظية والمعنوية التي استقاها البارودي في شعره من القرآن الكريم تعبر عن الاتجاه الإسلامي للبارودي وصدق نيته الإسلامية.
|