اعتمدت دراسة أسلوب القرآن الكريم على البلاغة، وكانت البلاغة تعمد إلى اتخاذ الشواهد للتوضيح أولاً من القرآن ثم من الأدب. ولم يكن النقد في مساره العام موجهًا - كما أصبحت البلاغة موجهة - إلى خدمة قضية الإعجاز في القرآن الكريم الذي هو آية الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالمعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة آية، والبيان الواضح الجلي لكافة المخاطبين، وهو في ذات الوقت معجزة بيانية عظمى، ومعجزة القرآن الكريم باقية. وقد بذل العلماء جهودًا كبيرة من أجل الكشف عن وجوه إعجازه ومنهم أبو سليمان الخطابي، وأبو الحسن الرماني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وفخر الدين الرازي، وعبدالقاهر الجرجاني، وجلال الدين السيوطي، وتناول الكاتب جهود العلماء في بيان أوجه الإعجاز، ومدى إثراء معالجاتهم للنقد الأدبي وخدمة قضاياه ومسائله ونظرياته. وقد استهل الكاتب تناوله بالنظر في كتاب نظم القرآن للجاحظ الذي اتضح فيه رأي الجاحظ بأن القرآن الكريم في الدرجة الأولى من البلاغة، وقد عدّ حسن النظم سرّ إعجاز القرآن سابقًا غيره بذلك، ثم تناول كتاب إعجاز القرآن لأبي عبدالله محمد بن زيد الواسطي، الذي بنى على ما ابتدأه الجاحظ، وكان أول كتاب وضع لشرح الإعجاز، وبسط القول فيه على طريقة المعتزلة في التأليف، ثم تناول النكت في إعجاز القرآن لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني، وقد حصر الرماني فيه إعجاز القرآن في سبعة أوجه ركّز فيها على البلاغة وتقسيمها إلى عشرة أقسام: الإيجاز، والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان، وهي قسمة يبدو أثر المنطق فيها واضحًا. ثم تناول الكاتب بيان إعجاز القرآن لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي، الذي قرر عجز العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز، ورأى أن القرآن معجز لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنًا أصح المعاني من توحيد وتنزيه وتحليل وتحريم ووعظ وتقويم، ثم تناول الكاتب إعجاز القرآن لأبي بكر محمد بن الطيب المعروف بالباقلاني، الذي قيل فيه أنه أعظم كتاب أُلف في الإعجاز إلى اليوم، وقد وصف فيه القرآن الكريم وما اشتمل عليه من جوامع المعاني وعظيم البلاغة وبديع النظم المفارق لسائر النظوم
|