كان إيواء المستجير من القيم التي برزت في شعر كل من أبي مليكة الحطيئة جرول بن أوس العبسي، وأبي حزرة جرير بن عطية بن حذيفة التميمي، وكان يكبرها العرب، ويعلو في أعينهم مقام من يرعاها، ولهذا السبب قرن الباحث في هذه الدراسة الحديث عن هذه الفضيلة بين الشاعرين المذكورين، وقد رجع الباحث إلى أشعارهما والدراسات النقدية التي تناولتها وإلى ما ورد في طبقات الشعراء عن الشاعرين. وقد استهل دراسته بتناول إيواء المستجير في شعر الحطيئة، فتكلّم عن شخصية الحطيئة وتقتيره وعن عُرْف الجوار السائد بين القبائل العربية، والذي يوفر له الأمان ويسبغ عليه من المال والطعام ما يمكنه من العيش الكريم، وقد استغلّ الحطيئة هذا العرف بما يعود عليه بالنفع، فما كلَّ ولا وَهَنَ في إعلاء شأن من يلتزم به، وقد وضع الحطيئة الجوار نصب عينيه مادحًا أو قادحًا، فتحدث عن استجارته بالزبرقان بن بدر سيد بني بهدلة، ثم تحوله إلى بغيض بن عامر وجماعته من بني قريع الذين كانوا يُنافسون الزبرقان وقومه وينازعونهم الشرف، وقد صبّ الحطيئة وابل حمده على بني قريع الذين اتصل بهم بوشيجة الجوار. ولقد شغلت جرير أيضًا قضية الجار ومعاملته، حيث صرف إليها جلّ قوله في الموضوع من خلال تناول إخفاق بني مجاشع قوم الفرزدق في حماية الزبير ابن العوام ــ رضي الله عنه ــ من القتل أو الأخذ بثأره إذْ قتل وهو في طريقه إلى مكة حيث تعقبه عمرو بن جرموز المجاشعي وقتله ودفنه في وادي السباع. لقد ثبت حق الزبير كضيف وهو يعبر أرض بني مجاشع وكان قد بات في منزل أحدهم، وقاتله منهم. وجرير يذهب إلى أنهم غدروا به لأنهم لم يدافعوا عنه. كذلك فعل الحطيئة في تقريع ابن بدر وبني بهدلة قومه على تضييعه. وقد عيّر جرير والحطيئة مهجويهم بتقصير أيديهم عما تصل إليه أيدي سواهم من العشائر العربية الكريمة المستمسكة بحماية الجار، غير المفرطة بحقه في الأمن على نفسه وأهله وماله وعرضه.
|