تناول الكاتب توزيع الأراضي في المجتمعات الإسلامية، لبيان وضعه وأسسه وطرقه، وقد رجع إلى مصادر التاريخ الإسلامي، وكتب الخراج، والأحكام السلطانية. واستهل ببيان أثر الفتوحات العربية الإسلامية في البلاد الجديدة، فقد كان من سياسة العرب ترك الفلاحين والزُرَّاع على الأرض، وقد عُدَّت الأراضي ملك الأمة، وتُركت بيد أصحابها لقاء دفع الخراج، وكتب الوزير علي بن عيسى إلى عامله على منطقة الصلح ليخبره أن (جميع نواحي واسط السواد المفتوح عنوة وليس يملكه السلطان ضياع لأنه فيء للمسلمين، يقوم مقام الوقف على جميعهم، وإنما تبايعُ أهليه فيه يجري مجرى السُّكنى لأجل ما أدوه ويؤدونه من الخراج أو الكراء)، وكانت الأراضي حول البصرة عشرية، لأنها أراض موات تم إحياؤها بعد الفتح الإسلامي، وكانت الدولة العباسية تجبي من عشور البصرة ستة ملايين درهم سنويًا. وكان منح الأراضي من الصوافي أو الموات أساس نشوء الملكيات الكبيرة خلال القرنين الأولين للهجرة، ووجد أيضًا في العراق أنواع مختلفة من الملكية، ووجد كثير من التنوع في شروط الملكية في كل نوع، إذْ كانت شروط استغلال الأراضي تعتمد عادة على أشخاص أصحابها ومراكزهم وكانت الأراضي مسجلة في ديوان الخراج المركزية في بغداد، وكانت مسجلة في الدواوين المحلية كل في منطقتها، ويمكن أن تُصنّف الأراضي إلى ما يأتي: أولاً: الضياع السلطانية، ويقصد بالضّياع عند أهل الحضر مال الرجل من النخل والكرم والأرض، والضيعة هي الأرض المُغِلّة، وهي تُعدُّ عماد الثروة الشخصية لمالكها، وقد ورث العباسيون الضياع العديدة التي خلفها بنو أمية وأتباعهم سنة 132هـ/750م، وأضافوا إليها ووسعوها بالشراء أو الهبات أو المصادرة، ولهذا اتسعت أملاك الأسرة العباسية كثيرًا وبخاصة أملاك خلفائهم. وكان الضعفاء من الأهالي يقومون بإلجاء ضياعهم إلى الأقوياء من أقارب الخليفة أو العمال، تخلصًا من جباة الخراج الذين كانوا يغضون النظر عن هذه الأراضي ويصفحون عن جباية بعض الضرائب المستحقة عليها، وبمرور الزمن أصبحت هذه الضياع ملكًا للأقوياء. ووجد إقطاع الاستغلال، وإقطاع التمليك، وأراضي الملك، وأراضي الوقف الذي كان في الأملاك الخاصة، وكانت تدار من ديوان البر.
|