فرض الله الحج على المسلمين، والحج نسك يجب أداؤه للمستطيع، وهو مخصوص بزمان معين هو شهر ذي الحجة من كل عام، ومكان معين بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة (منى، مزدلفة، عرفات)؛ ولذا لابدّ للمسلم من أن يرتحل إلى هذه البقاع لأداء المناسك. وقد تشكلت بمرور الأزمنة مسالك ودروب تؤدي إلى مكة المكرمة لتسهيل السفر إلى تلك البقاع، وكانت هذه الدروب تخترق بقاع العالم الإسلامي كافة من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا ومن نهر الفولجا وأواسط آسيا شمالاً إلى موزمبيق في أقصى الجنوب الأفريقي جنوبًا. وقد شيّدت على ضفاف هذه الدروب قصور وقلاع وخانات وخزانات وآبار ماء حملت ملامح حضارية تذكر بالسجل الحافل للحضارة الإسلامية بهذا الخصوص. وبجانب هذه الملامح الحضارية كان هناك ملمح يرضي الجانب المادي في الإنسان، تمثل في المراكز التجارية التي أقيمت في المنازل الرئيسة عبر مسيرة الدروب، فقد أقيمت الأسواق لتفي بحاجة القوافل، فنشأت مراكز وقرى على هذه الدروب، وأصبحت لها ملامحها وسماتها. وقد ترك لنا المؤرخون والجغرافيون العرب والمسلمون ممن رافقوا مواكب الحجيج تراثًا مهمًا يصف هذه المدن، كما يصف المناشط التجارية، ويسجل الأحداث المختلفة لهذه البقاع. لقد كان الحج سجلاً تاريخيًا مهمًا لرصد وقائع العالم الإسلامي جليلها وحقيرها من خلال أعين هؤلاء، وهم في طريقهم إلى الديار المقدسة.
|