استطاع الإسلام عبر مسيرته الدعويَّة المتواصلة أن يحدث تحولاً عقديًا في عالم الملايو، تجلت معالمه الرئيسة في الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه وتعالى، والإقرار بقدسية القرآن الكريم بوصفه أول كتاب سماوي حمل لشعوب الملايو الأمية ثوابت عقيدة التوحيد ذات الإطار الشمولي في تحديد ضوابط الحياة الإنسانية. ومن أهم الشعائر التعبدية التي أسهمت في توطين هذه القيم الحضارية في أراضي الأرخبيل هي شعيرة الحج، التي كانت وما زالت تُعدُّ بمثابة حلقة وصل جامعة، تجسد عطاؤها في توثيق عرى الترابط الروحي والمادي بين مهبط الوحي وعالم الملايو، والرحلة بين الطرفين كانت تمثل فصولاً مثيرة من التواصل الاجتماعي والتلاقح الثقافي في رحاب الهجرة في سبيل الله. أما أداء الشعيرة في حد ذاته فقد كان مزيجًا خلاقًا يجمع بين دفتيه مقاصد الإسلام المتمثلة في إقرار مبدأ التوحيد والإعلان الصريح بخاتمية الرسالة المحمدية، وفي أداء الصلوات الجامعة في الحرمين الشريفين، وفي بذل المال في مصارفه المشروعة. زد على ذلك أن تحلُّق المسلمين حول البيت العتيق كان يعني لجمهور الحجيج الملايوي تثمينًا حقيقيًا لقيمة التوحيد التي تسقط عندها التعددية والتنوع العرقي للشعوب الإسلامية، ويبقى التوحد والتوحيد هما شعارا تلك التظاهرة الأممية التي تتجلى مفرداتها في نداء التلبية: "لبيك اللهم لبيك... لبيك لا شريك لك لبيك... إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
|