تسير القصائد الجاهلية وفق أنماط وأساليب ثابتة لا تحيد عنها، فمن ناحية الأطلال، يتحدث الشاعر دائمًا عن منازله في ديار نشأ فيها وعاش، ومن تلك الديار تنطلق دائماً ظعائنه، وهذه حال المثقب في النونية. وتعبّر الأطلال عن نقيضين متباعدين، فبينما تأتي الأطلال في مقدمة القصيدة الجاهلية، فإنها تعبِّر عن إطلالة الشاعر من شيخوخته (أو مواجهته مشاعر الفناء والموت) على ماضيه الأول (صباه وطفولته). وفي هذا البحث ترتيب لما ذهبت إليه بعض القراءات من نقل مواقع الأطلال إلى العراق، وهذا غير متوافق، وتفسير الظعائن بصفتها رمزاً وحديثاً عن علاقة عمرو بن هند بالشاعر، وهذا غير منسجم أيضاً. كانت ديار عبدالقيس في شرق الجزيرة العربية، وكان للمناذرة نفوذ هناك، وهنا تتكشف كل الوقائع في النونيَّة!
|