الأصل في الإنسان أنه متكلم، والأصل في الكلام أنه متعدد، والأصل في التعدد أن المجتمعات البشرية عبر تاريخها الطويل قد استخدمت إشارات وعلامات سمعية تؤدي بها الغرض لتعريف ماضي الضمير وكشف السرائر. ولقد اتفق العلماء على أن الأحداث في هذا الكون تسير وفق قانون أو قوانين لا تتعداها، واللسان حدث بناء على قول الغزالي؛ لأن المتكلم محتاج إلى نصب علامة لتعريف ما في ضميره. وقد تطرق الكاتب إلى الحدث اللساني وعدّه في منظومة التفكير العربي حدثًا أصوليًا، ولما كانت اللغة انعكاسًا لنفسها فقد حدد ابن فارس تعريف علم الأصول اللساني بأنه القول على موضوع اللغة. وقد ناقش الكاتب أصولية التفكير القانوني وسجّل مرئيات الفارابي بشأنها؛ إذ رأى أن القوانين في صناعة أقاويل كلية، أي جامعة ينحصر في واحد منها أشياء كثيرة، وتكون معدة إما ليُحاط بها ما هو من تلك الصناعة لئلا يدخل فيها ما ليس منها أو يشذ عنها ما هو منها، وإما ليمتحن بها ما لا يؤمن أن يكون قد غلط فيه غالط، وأن الأشياء المفردة إنما تصير صنائع بأن تحصر في قوانين تحصل في نفس الإنسان على ترتيب معلوم وذلك مثل الكتابة والطب والفلاحة والعمارة، وأنّ كل قول كان قانونًا في صناعة ما فإنه معد بما هو قانون لأحد ما، وينتهي إلى أن القوانين أشياء قليلة العدد تحصر أشياء كثيرة، ولقد قاد هذا التفكير في أصولية القانون إلى نوع من التفكير التماثلي بين التشكيل اللغوي، والتشكيل الرياضي. وأورد الكاتب أن اللسانية في مقولة التراث العربي تعتمد على أصولية التفكير في بناء مناهجها، وأن العرب تجري باللسانية إلى الأصول في ابتداع المنهج، وقد ظهرت اللسانية بالفعل متخيرة لمنهجها مبتدعة فيه. وأضاف أن العلم بالكلام وتركيبه يقتضي أن المتكلم يجب أن يكون عالمًا بأفراد الكلام وكيفية ضمه، ويعرف إذا ما ضم بعضه إلى بعض يكون ضربًا من الكلام يفارق غيره، ثم تناول الإنسان في التفكير اللساني العربي، ومفهوم المشاركة في الحدث اللساني، وانتهى إلى أن وظائف اللسان لا تحصى، وأن اللغة الإنسانية أداة للتعبير الحر عن الأفكار وللتحرك تجاه المواقف المختلفة.
|