تناول الباحث فقهاء التابعين في الكوفة بهدف توضيح اتجاهاتهم الفقهية، وتطور الحركة الفقهية في العراق، وإثرائها للفقه الإسلامي بالآراء الاجتهادية وفقه التابعين، وقد رجع لطبقات الفقهاء ومصادر الفقه الإسلامي، واستهل بمعالجة نشأة الحركة الفقهية وتطورها في الكوفة التي أسسها الخليفة عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ لتكون معسكرًا للمسلمين المشاركين في حركة الفتح الإسلامي، وكان ممن استوطنها العديد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم الذين كان لهم دورهم في الإفتاء وإرشاد الناس في أمور دينهم، وكان منهم عبدالله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيف، كما كان بين من نزل الكوفة وأثر في حركة الفقه وتطورها فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتنوّه المصادر بأثر عبدالله بن مسعود طيلة مدة إقامته في الكوفة وكان أصحابه كثيرين في الكوفة، وكان لهم دورهم المهم في تطور مركز الكوفة العلمي، وروى ابن سعد عن إبراهيم التيمي أن أصحاب عبدالله الذين يقرؤون ويفتون ستة ذُكر منهم عبيدة بن عمرو، ومسروق بن الأجدع، والهمداني، وشريح بن الحارث، والأسود بن يزيد، والحارث بن قيس، ويضع بعضهم الحارث بن قيس محل شريح يضاف إليهم عامر بن شراحبيل الذي أسقط ذكره الشيرازي وأضاف مكانه الحارث الأعور، وقد أسهم هؤلاء العلماء في تأصيل الاتجاه الفقهي لمركز الكوفة العلمي، وقد تناول الكاتب سير الفقهاء في الكوفة في عصر التابعين في مراحل ثلاث تبتدئ أولاها من عام الأربعين وتنتهي في منتصف النصف الثاني من القرن الأول الهجري وبرز فيها دور كبار علماء التابعين في الكوفة من تلاميذ علي بن أبي طالب، وعبدالله بن مسعود، وأما المرحلة الثانية فتمتد من العقد السابع من القرن الأول الهجري إلى نهايته، وهي مرحلة كبار التابعين، وأما المرحلة الثالثة فتمتد من أواخر القرن الأول حتى أوائل القرن الثاني الهجريين، وهي تؤلف حلقة الوصل بين كبار التابعين في الكوفة من جهة، وأئمة المذهب الحنفي من جهة أخرى، وتميز دور فقهاء هذه المرحلة لأنهم نقلوا التراث الفقهي لعلماء التابعين في القرن الأول الهجري إلى عصر الأئمة المجتهدين وقد تخرج على أيديهم أئمة المذهب الحنفي في الكوفة، وخلص الباحث إلى أن الفضل في نشوء المركز العلمي للكوفة يعود إلى فقهاء الصحابة الذين تتلمذ عليهم عدد من الفقهاء ممن أثروا الفكر الفقهي ونقلوا التراث الفقهي لأجيال متعاقبة.
|