تناول الكاتب المعنى الدلالي، والمدارس التي عالجته ومناهجها، وهدف إلى عرض أهم ما جاءت به تلك المدارس، وتحديد الموقع الذي تتبوأه الدراسات اللغوية المتصلة بموضوع المقالة، ومحاولة الربط بين ما توصل إليه السلف الصالح من نحاة العربية، ومعطيات الدراسات اللغوية الحديثة. واستهل ببيان أثر (دي سوسير) في الدرس اللغوي المعاصر، وتطرق لتفريقه بين الكلام واللغة، من حيث إن اللغة رصيد جماعي من اتفاقات التواصل الضرورية لأفراد أمة معينة، مختزن في أذهانهم بالقوة، ويستعمله الفرد فيما يسمى بالكلام. وعرض لرأي (سوسير) أن اللغة المنطوقة هي الأصل، وجاءت اللغة المكتوبة لتجسده، ولتكون رموزًا له، وأنشأ تفكير (سوسير) في هذا الصدد العلاقة بين المدلول الذي هو التصور الذهني، والدال هو الصورة السمعية التي قد تأتي مكتوبة في نسق لا يزيد على كونه رمزًا مجسدًا للصورة السمعية، وإن الارتباط بين الدال والمدلول ارتباط ذهني نفسي اتحدت أصواته اتحادًا عشوائيًا اعتباطيًا، ثم ارتبط بمدلوله بالرابطة نفسها، فالكلمة بعد أن تتحد بمدلولها تأخذ بعدًا اجتماعيًا قسريًا ليس من اليسير تغييره. ودرس (سوسير) النظام اللغوي في الجملة الذي يعمل أفقيًا لإبراز الترابط بين مركبات الجملة من فعل وفاعل ومفعول، أو من مبتدأ وخبر، ويعمل عموديًا للكشف عن المعنى بإبراز العناصر التي يمكن أن يتم تبادلها مع كل كلمة من كلمات الجملة تبادلاً عموديًا، وهكذا فعمل النظام اللغوي على المستويين يساعد المتكلم على الوصول إلى ما يريد، والسامع على فهم ما يسمع. ولدراسة اللغة عند (سوسير) منهجان: المنهج التاريخي الذي تتم به دراسة اللغة دراسة وصفية كما هي عليه، أو كما كانت عليه في فترة محددة من تاريخها، أو مقارنة لغة أو لهجة في فترة معينة بلغة، أو لهجة متزامنة معها، أو في فترة سابقة عليها أو لاحقة بها، ويتبع أصحاب المدرسة البنيوية المنهج الأول. ووضحت البنيوية بنظريتها التوزيعية التي تتناول اللغة وليس الكلام، وتعمد إلى ردّ النص إلى مستوياته الصوتية والصرفية والتركيبية والوظيفية التي تحلل الجملة إلى مكونات، وهذه المكونات إلى مكونات صغرى من عناصر الصوت والصياغة التي يكون لكل منها وظيفته في النص الخاضع للتحليل، ثم التوليدية التحويلية التي جاء بها (تشومسكي) وبناها على أسس الفطرة اللغوية، والكفاية والأداء اللغوي، والبنية السطحية والعميقة للفكرة، وقواعد النحو التوليدي والتحويلي، واعتمد الحدس للوصول إلى المعنى الدلالي، ودرس التراث النحوي والبلاغي العربي، وأوضح أن نحاة العربية قد انصرفوا إلى البحث في المبنى، وانصرف البلاغيون إلى البحث في المعنى، ثم ضم عبدالقاهر الجرجاني المبنى إلى المعنى فيما سماه بالنظم، وانتهى إلى أننا يمكن أن نفيد من التراث النحوي والبلاغي، ومن نتائج الدراسات الألسنية الحديثة في ضم المبنى إلى المعنى ليسيرا في خطين متوازيين يوصلان إلى نتيجة واحدة، فنصرف النحو إلى أن يكون البحث في المعنى المحدد للجملة من خلال المباني الصرفية فيها.
|