تابعت الكاتبة معالجتها للصوت والصورة السمعية في الشعر الجاهلي، واستهلتها بتناول التسبيح والابتهال والتعوذ والتهليل التي تصدر كلها بصوت خفيض عادة فيه التذلّل والخشية والخشوع، وتطرقت لانعكاساتها في الشعر، ثم انتقلت إلى شريحة فنية أخرى للصوت مرتبطة بحادثة الموت. ومن الشعراء الذين أوصوا بالعزف على قبور من مات من الندماء عبيد بن الأبرص، ويطلب شاعر آخر هو أحيحة بن الجُلاح أن تغني القينة على قبره، وتعزف بمزهرها أيضًا في شعر غناه بعض القيان في حياته. وأشارت الكاتبة إلى أن الصوت الموسيقي وليد قواعد توافقية معينة. وقد تحمل النغمات الدرجة التي تصدر عن الأوتار المرتخية الشد، وتصدر الأصوات العالية الدرجة عن الأوتار الرفيعة محكمة الشد، ومن هنا تختلف النغمات تبعًا لطبيعة الآلة الموسيقية التي كانت تعزف القيان بها. وأما الصوت الإنساني فمكون من أصوات منطوقة، ومن هذه الأصوات التي رصدها الشعر الجاهلي ما تتضمنه الكلمات الآتية: حديث، وقول، ونطق، وتمطق، وتصفيف، وبصاق، وضحك، وكلام، وزجر، ونداء. والتطريب في الصوت مدّه وتحسينه وترجيعه، ويكون ذلك في حالات الفرح أو الحزن، وله انعكاس في شعر عبيد بن الأبرص. ولقد استخدم شعراء الجاهلية لصوت القناص ألفاظًا مثل: نبأة، هجس، مجرّس، كما رصد الأعشى في شعره الصوت النسوي الضاحك والباكي. وهكذا فالشاعر الجاهلي بإحساسه المرهف، وملاحظته الدقيقة، ومتابعته لمصادر الصوت الإنساني وألوانه استطاع رسم هذا الصوت بدقة في لوحات شعرية تنبض بالحياة.
|