لقد عرفت مكة المكرمة منذ أحقاب تاريخية قديمة قبل عهد إبراهيم عليه السلام. غير أنه من المؤكد أن هجرة إسماعيل ولد إبراهيم عليهما السلام يمكن عدها البداية الجليّة لتاريخ مكة، فوجود بئر زمزم، وبناء الكعبة، ساعد على ازدهار المكان، فسكنته القبائل، وأصبح مركزاً تجارياً، بالإضافة إلى كونه مركزاً دينياً. ولم تكن مكة في يوم ما في عزلة جغرافية، فقد مهر سكانها في التجارة. ولما جاء الإسلام أصبحت مكة المكرمة البلد الحرام قاعدة الإسلام، وقبلة المسلمين، يقصدها الناس للحج والعمرة. ومنذ البعثة النبوية لم ينقطع سيل الهجرة إلى مكة المكرمة من مختلف مناطق العالم الإسلامي. وتنوع المهاجرون، وتعددت أغراضهم، وكانت الأسباب الجاذبة إلى القدوم إلى مكة هي أسباب في معظمها دينية، والقليل منها دنيوية، والمحصلة النهائية تغيير كبير ودائم للسكان، وزيادة مطردة في الاختلاط السكاني. وقدم هؤلاء المهاجرون من مختلف مناطق العالم الإسلامي، وهم يحملون ثقافاتهم المحلية، وأنماط وطرز حياتهم، وتقاليدهم وأعرافهم، وأنواع طعامهم وشرابهم ولباسهم التقليدي. وما أن يحط هؤلاء رحالهم في مكة حتى تبدأ نواحي التغيير الاجتماعي تطرأ على حياتهم ليتواءموا مع معطيات الحياة الجديدة في العاصمة المقدسة. ومع مرور الزمن، وتوالي الأجيال ينصهر جميع هؤلاء في البوتقة المكية، بحيث تتشكل من مجموع هؤلاء الوافدين ثقافة مكية ونمط حياة مكي، قوامه الدين الإسلامي، وعماده اللغة العربية، ومظهره الطراز العربي، بحيث يتبنى هؤلاء الوافدون ثقافة البلد المضيف وحضارته.
|