كان ظهور تاريخ المـدن بصفته نمطًا من أنماط الكتابة التاريخية استجابة موضوعية للظروف التي استجدت في القرن الثالث الهجري والقرون التي تلته، والمتمثلة بالتمزق السياسي الذي حلَّ بالعالم الإسلامي. فبدأت النزعة الإقليمية والرغبة الاستقلالية من قبل بعض الولاة تبرز فوق سطح الأحداث، وتجسدت هذه الحقيقة في تلك الدويلات التي قامت على حساب الخلافة العباسية في المشرق والمغرب. حاول حكام هذه الدويلات والمدن ترسيخ دولهم وإماراتهم بإيجاد مناخ ثقافي، فحرصوا على استمالة كبار العلماء في مختلف العلوم واستقدامهم، وجعلهم في جملة حاشيتهم وندمائهم. هذا التشجيع ذو الطابع السياسي أحال تلك المدن بمرور الزمن إلى مراكز ثقافية لا يمكن إغفالها، تنافس العاصمة (بغداد). كان التاريخ ميداناً من ميادين المنافسة الثقافية التي ركز فيها الحكام جهودهم، لما للتاريخ من أهمية في ترسيخ نظامهم السياسي. فظهر استجابة لذلك مؤرخون أرخوا للمدن محاولين إظهار أهميتها في أحداث التاريخ والحضارة الإسلامية. إضافة إلى ما سبق فإن العصبية بين أهل المدن سوا
|