أبو حامد محمد بن محمد الغزالي المتوفَّى عام 505هـ، صاحب منهج فكري متميز، وقد عُني بالعلم والتعلم والتعليم وشواهده من النقل والعقل، ويهدف الكاتب إلى بيان مفاهيم الغزالي بشأن العلم، والعلم المحمود والعلم المذموم، وآداب المناظرة وآداب المعلم والمتعلم وآفات العلم والعلماء، والعقل وفضله وأقسامه، ورجع إلى كتابات الغزالي. وقد تناول مفهوم الفضل عند الغزالي، وأوضح أن العلم عنده فضيلة في حد ذاته من غير إضافة. والعلم مطلوب لذاته ولغيره فهو وسيلة إلى السعادة في الآخرة، لأن ذلك الهدف لا يتحقق إلا عن طريق العلم والعمل. ثم تناول معيار الشرف عند الغزالي الذي رأى أن العلم من أشرف الصناعات، وأن شرف الصناعة يعرف بأمور ثلاثة: الغريزة، والنفع، والمحل. وتعد العلوم الدينية من أشرف الصناعات لأنها تدرك بطريق العقل، والعقل أشرف صفات الإنسان، لأن به تقبل أمانة الله، ولا يستراب بعموم نفع العلوم الدينية لأن ثمرتها ونفعها سعادة الآخرة، أما شرف محلها فهو غير خاف لأن المعلم ينصرف إلى قلوب البشر ونفوسهم، والإنسان أشرف موجود على الأرض، وقلبه أشرف جزء من جواهر الإنسان، ومهمة المعلم تتمثل في تجلية القلب وتطهيره. إن ما طرحه الغزالي في موطن تعريفه بفضل العلم يشير إلى أن الفضل لا يعني الزيادة بالمفهوم الكمي، وإنما يعني الزيادة الدالة على الكمال، أو بصورة أدق الاختصاص الذي يتميز به أحد الطرفين على الآخر بما يدل على أهمية ذلك الاختصاص بالنسبة للشيء، وهكذا يكون مفهوم الفضل مرتبطًا بالاختصاص والتميز الذي يفيد معنى الكمال. وهكذا فإن العلوم الدينية أشرف الصناعات لأن العلم موطنه العقل، والعقل أشرف صفات الإنسان، والإنسان أشرف المخلوقات، وتنصرف مهمة العلوم الدينية إلى تطهير القلب، والقلب أشرف جزء من جسم الإنسان، وبهذا الاعتبار يصبح العلم الذي ينصرف إلى تطهير النفس والقلب من أشرف العلوم الأخرى، والعلوم من أشرف الصناعات لعموم نفعها من حيث السعادة الأخروية، ولشرف محلها الذي هو القلب والعقل.
|