تناول الكاتب العلاقات الفكرية بين المغرب والأندلس من جهة، والجزيرة العربية من جهة أخرى، مستهدفًا توضيح هذه العلاقات، ودور الجزيرة العربية في إشعاع العلم في المناطق المجاورة لها والبعيدة عنها، مبيِّنًا أهمية مكة المكرمة التي تعد مركز استقطاب للمسلمين لوجود الكعبة المشرفة فيها، ومشيرًا إلى أهمية ركائب الحجيج من مختلف مدن المغرب والأندلس، وما نتج عنها من إقامة مراكز تجمع لهم على طول الطريق المؤدية إلى مكة المكرمة لتزويدهم بما يحتاجون إليه في طريقهم. وقد رجع إلى المؤلفات وكتب التراجم والرحلات التي دون فيها كثير من المظاهر الحضارية للبلدان التي كان يمر بها الحجاج ومعهم العلماء الذين استقروا بمكة وغيرها من مدن الجزيرة، وبحث اتصالهم بالعلماء عن طريق الحلقات العلمية المنعقدة للمناظرة والتدريس، مما أدى إلى تلاقح الأفكار، وتغيير المذاهب وأنماط السلوك والمهن لبعض العلماء. وقد دعا حكام الحجاز، خاصة الجزيرة العربية عامة العلماءَ والفقهاء، وعملوا على مساعدتهم والاستفادة من خبراتهم بتوظيفهم في مختلف المؤسسات خاصة الدينية منها، فازدهرت العلوم بما فيها علوم الحديث والفقه. وقد وجدت علاقات وطيدة بين الأندلس والشام، فالفاتحون للديار الأندلسية كان معظهم من أهل الشام، وإن كانوا يرجعون بأصولهم إلى اليمن والحجاز، لكن استقرارهم في بلاد الشام جعلهم ينقلون عند رحيلهم عنها كثيرًا من مظاهر حضارتها، وعلى الرغم من بعد المسافة بين البلدين إلا أنهم كانوا دائمي الارتباط، بالشام، ويتحملون المشقة في الرحلة إليها، وظهر أدب الرحلات التي دونوا فيها أسماء مشايخهم وتلاميذهم شعورًا منهم بالوفاء تجاه مشايخهم ومحبةً لتلاميذهم، وسمي مثل هذا العمل برنامجًا. أما المشارقة فسموه الثبْت، ويسميه المغاربة إلى يومنا هذا "الفهرست". ويقدّم أدب الرحلات وثائق مهمة في دراسة العلوم وحياة العلماء والأدباء العرب وطلبهم للمعرفة، وقد أشار الكاتب إلى أن رحلة الأندلسيين والمغاربة كانت أكثر من رحلة المشارقة إلى ديارهم. وقد تناول الكاتب سير أربعة وخمسين من أعلام الشام والأندلس الذين وفدوا إلى الأندلس والشام، وانتهى إلى بيان أغراض الرحلات القائمة بين منطقتي الدراسة وآثارها وأهمية التقاء العلماء.
|