تناول الكاتب معالجة شعراء ثلاثة لموقف أليم متصل بفقد الأم لابنها، وهؤلاء الشعراء شعراء فحول قدماء تمثلوا ذلك الموقف المأساوي المشحون بالإحساس والانفعال المتدفق، فاقتدروا على الصعود إلى الحدث ومواكبة هوله بما أوتوه من مخيلة ثرية، وحسٍّ رقيق، ورؤية شاعرة تنفذ خلف الأستار لتكشف عما يعتلج في طوايا وجدان الإنسان من وجد، وكان اثنان من أولئك الشعراء هذليين أحدهما عبدا$ بن سلم أو سلمة السهمي الشهير بأبي صخر الهذلي، والآخر ساعدة بن جُؤيَّة، والثالث هو حُمَيد بن ثور الهلالي، وقد عاش الشاعران الأولان في الجاهلية وأدركا الإسلام وأسلما، وعاش أبو صخر في عصر بني أمية. وعالج الحدث المفجع بقصيدة يتيمة لا ينيف عدد أبياتها على العشرين إلا قليلاً، وصوره ساعدة بقصيدتين لا تختلفان من حيث عدد أبياتهما كثيرًا عن قصيدة أبي صخر، أما حميد فعالجه بقصيدة من سبعة وعشرين بيتًا. وقد توافق الثلاثة الشعراء في تصوير هول الجيشان العاطفي المضطرم في قلب الأم وروحها، بل في كيانها بأسره عند صدمتها الأولى إذ استبانت أن ابنها الذي طاف يبغي نجوة من هلاك قد هلك، وقد أفلحوا في بناء مشاهد المسرحية المأساوية وإغنائها بالتفاصيل والجزئيات الثرية بإيحاءاتها والتي تلتئم فتسهم في خلق عمل إبداعي متقن، وذلك التوافق يجعلنا نرجح أن أحد الشعراء حاكى صاحبيه أو أن اثنين من الثلاثة حاكيا ثالثهما. وقد حلل الكاتب منهج كل منهما ومدخله إلى تناول الموضوع المطروح ونواحي التفرّد عند كل منهم في تناول الموضوع، من خلال النظر في قصائد أربع لهم والوقوف عند مضمونها الدرامي الزاخر بالحركة العاطفية الجياشة، وانتهى الكاتب إلى أن رثاء البنين والإخوة من الموضوعات القديمة المشتهرة في الشعر العربي، أما وصف أحاسيس الثكالى في ذلك الشعر فموضوع عزيز ثري المعاني، وقد قدمت القصائد الأربعة في الموضوع مواقف شعرية غنية وبناء صياغيًا متقنًاً.
|