تناول الكاتب سيرة القاضي عياض للتعريف بجوانب حياته ومكانته وفكره وأعماله، وقد رجع إلى المصادر وكتب التراجم التي تحدثت عنه وعن عصره والتيارات السائدة فيه؛ فأوضح أنه تلتقي في شخصيته ثلاثة رموز، فهو وجه من وجوه الثقافة المغربية، وهو علم من أعلام الثقافة في المغرب الإسلامي في القرنين الخامس والسادس الهجريين يضم الغرب الإسلامي بلاد الأندلس وإفريقيا والمغرب، كما أنه وجه متميز من وجوه الثقافة الإسلامية بعامة حتى نهاية القرن السادس الهجري في مشرق العالم الإسلامي ومغربه. وأبو الفضل بن موسى اليحصبي السبتي المعروف بالقاضي عياض يرقى نسبه إلى إحدى قبائل اليمن العربية، ويجتمع مع نسب الإمام مالك بن أنس إمام المدينة المنورة، وقد اشتهرت أسرته بسبتة وبها ولد سنة 476هـ، ورحل إلى الأندلس سنة 507هـ، وعاد إلى سبتة ثانية وتقلّد منصب القضاء بها سنة 515هـ، ثم ولي قضاء غرناطة سنة 531هـ، ثم عاد إلى سبتة وتقلد منصب القضاء سنة 539هـ، وقد خدم الثقافة الإسلامية والمذهب السني، الأشعري عقيدة، المالكي فقهًا، وعاصر الدولة المرابطية التي عملت بعد استتباب الأمر لها على تثبيت المذهب المالكي. وقد تحدث الكاتب عن شخصية القاضي عياض العلمية والأدبية وتوزع حياته بين القضاء والتأليف، وقد كان عالمًا بالحديث عارفًا بطرقه، حافظًا لرجاله، حافظًا لمصنفات الحديث من كتب الصحاح والسنن، وكان منهجه في الرواية يقوم على التحقيق والتدقيق والتوثيق للمتن، ويعد النقل والرواية هما الأصل في إثبات الحديث وتصحيحه، وتناول عياضًا الفقيه ودوره في تأصيل المذهب المالكي بالمغرب واجتهاده فيه أو تقليده، وتناول إسهامه الأدبي، وملكته الأدبية ومواهبه المتعددة من خلال تصانيفه الدينية نفسها، فقد جمع ما بين التكوين الأدبي والتكوين الديني كما يظهر في أسلوبه وترسله وشعره.
|