يتناول الكاتب المناصفات بصفتها واحدة من الجوانب المتعددة للعلاقات الاقتصادية التي سادت بين العرب والفرنج على أرض بلاد الشام، وهدف إلى توضيح العوامل التي حتمت قيام ذلك النوع من العلاقات والظروف التي هيأتها، وأثرها، وقد رجع لمصادر الحروب الصليبية وتاريخ فترة الدراسة. واستهل ببحث نظام المناصفات، وأوضح أنه قد نجم عن الصراع الذي دار على أرض بلاد الشام بين المسلمين والفرنج في أعقاب الغزوة الصليبية كثير من المشكلات السياسية والاقتصادية الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، فكان من الضروري قيام تنظيم يكفل حل تلك المشكلات اصطلح على تسميته بنظام بلاد المناصفات، وكان هذا النظام سابقًا على ما توصلت إليه بعض الدول الحديثة لحل مشكلات النزاعات الحدودية، وهو يرجع إلى السنوات الأولى التي أعقبت وصول الفرنج إلى بلاد الشام، وتشير بعض المصادر إلى وجود هذا النظام أيام عماد الدين زنكي. وبمرور الوقت تطور وضع البلاد التي يعالجها النظام فأصبحت تخضع لإدارة إسلامية إفرنجية مشتركة يرأسها ممثلان لسلطان المسلمين، وأمير الفرنج الذي وقع المعاهدة الخاصة بذلك النظام، وكان ينص في المعاهدة على ألا ينفرد أحد من الطرفين بشيء إلا باتفاق منهما. وكانت مواد المعاهدات المتعلقة ببلاد المناصفات تنص على سلامة ممثلي الطرفين وتنسيق التعامل بينهما، وكانت بلاد المناصفات مناطق محايدة، فلم يكن يسمح لأي طرف أو أتباع باستخدامها للعبور منها لمهاجمة بلاد الطرف الآخر، وقد شملت المعاهدات البنود الخاصة بالمعاملات وحل ما قد ينشأ من مشكلات وخلافات بين
الطرفين بتطبيق الشريعة الإسلامية على الشخص المسلم، وقانون الفرنج على الشخص الفرنجي.
|