تناول الكاتب سيرة المؤرخ أبي المحاسن جمال الدين يوسف بن تغري بردي بن عبدا$، للتعريف بشخصيته ومؤلفاته ومنهجه في كتابة التاريخ، وقد رجع إلى مؤلفات ابن تغري بردي وكتب التاريخ والتراجم ذات العلاقة. وينتمي هذا المؤرخ إلى مؤرخي القرن التاسع الهجري وعاصر عشرة من سلاطين المماليك والجراكسة، وقد صنف عددًا من المؤلفات المهمة منها : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والشام، والمنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، والدليل الشافي على المنهل الصافي، وحوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، ومورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة، ونزهة الرائي في التاريخ. ويظهر تحليل منهجه التاريخي الخصائص الآتية: تنوع المصادر التي رجع إليها بما في ذلك المشاهدة والمشافهة والنقل عن مؤلفات معاصريه، والتحقق من صحة الروايات حيث لم يكن يتقبل كل ما سجلته المصادر من الروايات التاريخية على أنها مسلمات، وإنما كان يناقشها ويقومها وينقدها، وقد مارس النقد في سائر كتاباته التاريخية، وقد تعقب أخطاء المقريزي محاولا التصحيح، وحرص على الأمانة العلمية في النقل عن مصادره نقلاً حرفيًا قدر الإمكان مع المحافظة على النسق الترتيبي للمعلومة المنقولة، وإسناد المعلومات إلى مصادرها، وبيان ذلك في مقدمات مؤلفاته، وأشار أحيانًا إلى اسم المؤلف دون ذكر عنوان كتابه، كما ذكر أحيانًا أخرى عنوان المصدر من غير ذكر اسم المؤلف. أما أسلوبه اللغوي فيمتاز بالسلاسة ويحفل بالسجع، ولم يتردد ابن تغري بردي في استعمال بعض الكلمات التركية للتعبير عن بعض المضامين، واستخدام مصطلحات عصره كالخبز بمعنى الإقطاع من الأرض الزراعية. وإجمالاً يتسم منهجه بالتزام الحقيقة التاريخية، والنزوع إلى سرد الرواية التاريخية أكثر منه إلى التحليل والاستنتاج، والاهتمام بتسجيل أحوال نهر النيل وما كان يطرأ عليه من الزيادة والنقصان
|