درس الباحث تآخي البعدين الأدبي والشرعي من حيث اشتراكهما في تكوين الشخصية العلمية للصحابي عبدالله بن عباس، وفي إنتاج الثقافة العربية بعد الإسلام، مع اتخاذ إنجاز ابن عباس نفسه نموذجًا. ويمثل البعد (الأدبي) في هذه الدراسة البشري، التقليدي، القديم، الموروث في ثقافة العرب، وبالذات الشعر، يقابله متصلاً به البعد (الشرعي) الذي يمثل بدوره الوحي، الجديد، المقدس، ثم فيما بعد ما تفرع عنه أو ما اقتضاه من علوم وتجارب في الثقافة العربية، والمقصود بالتآخي صقل دواعي الترافق والتعاون في حدود المتاح والمباح من فرص (الثقافي) في شموله وخصوصيته وفي تشكله ونتاجه. ويلفت نظر المعنيين بالجانب الأدبي نهوض ابن عباس بمشروع منهجه في التفسير، حيث يلتقي القرآن الكريم بالشعر في مجال شرح الغريب، وكان من مقتضيات هذا المشروع عقد أولى المحاولات المنهجية الجادّة للتآخي المطلوب بين الشرعي والأدبي في تشكيل الثقافة العربية في نتاجاتها الجديدة المتمثلة بثقافة عربية متدفقة ذات ملامح خاصة مميزة؛ ولعل من العوامل التي أسهمت إلى حد كبير في بلورة ذلك التآخي ومباركته وتأييده كون القرآن الكريم نفسه معجزة بلاغية وأدبية، مما زاد في إظهار أوجه أخرى من المشترك المباح بين الأدبي والشرعي، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في عمومهم قد احتفوا بالشعر من حيث إنه فن بلاغي في ذاته، ومن حيث إمكانية جعله وعاء للخير ومكارم الأخلاق والدفاع عن الدعوة، وللرسول والصحابة مواقف معروفة ومشهودة في هذا الصدد. وهذا الوجه الإيجابي لعلاقة الإسلام بالشعر لا ينفي تمامًا المواجهة بين الطرفين. وفي الجيل الثاني من الصحابة تطور منهج ابن عباس وكانت فرصه أكبر في مجال الاهتمام بالأدبي أو الشعر بالذات على الرغم من اشتداد زخم الشرعي. وإجمالاً فإن أهمية التآخي بين الأدبي والشرعي في إنتاج الثقافة العربية بعد الإسلام تنبع من أن هذا التآخي جاء بعد المواجهة التي حدثت بين الطرفين وبعد الإقرار بالإعجاز القرآني، واعتدال الزخم الشرعي، وتهذيب الشعر حتى لا يعود متعارضًا مع الدين، وكان مشروع منهج ابن عباس في التفسير مهما في جعل الأدبي والشرعي أساسًا لإنتاج ثقافة ما بعد الإسلام.
|