تتبع الكاتب حركة النقد العربي قديمًا للكشف عن مظاهرها وأطروحاتها، وقد رجع إلى مصادر الأدب العربي ونقده. ترجع الروايات والأخبار والآراء التي دارت حول الشعر مما جاء في كتب الأدب وأُشير إليها بوصفها حركة نقدية في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي إلى ثلاثة أصول: أقوال مجملة أو أحكام موجزة، وملحوظات جزئية على النحو واللغة، وحكايات لا تنتمي إلى النقد الأدبي، ولكن النقد الأدبي أوسع بكثير من مجرد إصدار للأحكام المجملة، مع ما فيها من سلامة الذوق وعمق الرؤية وذكاء الحكم، لكنها لا تقدم دليلاً على وجود حركة نقدية أو نقد أدبي، لأن النقد الأدبي مهنة ودراية. ويرى بعض النقاد أن النقد في الجاهلية قد التفت إلى الصور الشعرية وقدرة الشاعر أو عجزه عن أدائها، ومن ذلك خبر احتكام علقمة بن عبدة وامرئ القيس إلى امرأته أم جندب في أيهما أشعر. ومن أخبار النقد ما اتصل بالنابغة الذبياني الذي كان يضرب له قبة من أدم في سوق عكاظ فيأتيه الشعراء ليعرضوا عليه أشعارهم، وأحكامه وغيره في إطلاقها وعموميتها وبعدها عن ذكر العلل والأسباب ليست من النقد الأدبي الذي نعرفه. وفي العصر الأموي ثلاثة أشخاص اهتم الرواة والخبريون بتعقب مجالسهم وأقوالهم في الشعر والشعراء ومنهم ابن أبي عتيق بالحجاز، وكان صاحبًا لعمر بن ربيعة، وسكينة بنت الحسين التي عابت على كثير عزة بأنه صرف رأيه وهمه إلى من يعشقها بعده، ثم الخليفة عبدالملك بن مروان الذي عده المؤرخون ناقدًا كسابقيه. وانتهى الكاتب إلى أنّ كل ما سبق كان تمهيدًا لمراحل نشأة النقد عند العرب وازدهاره في القرنين الثالث والرابع الهجريين
|