تختص هذه الدراسة بالبحث في فئة كان لها دور كبير في الحياة العامة في مكة المكرمة خلال فترة الدراسة، وهي فئة القواد، وعلى وجه الخصوص العُمَّرة والحُميضَات. يتطلب الحديث في هذا الموضوع إعطاء تعريف لمدلول قواد؛ فالقواد لغةً مفردها قائد، ويراد به اصطلاحاً المتقدم(1). أما اصطلاحًا فهم "أكابر أتباع أشراف مكة"، "وهم بمثابة الأمراء للملوك"(2). ويمثل هؤلاء القواد طبقة مهمة من طبقات المجتمع المكي، فهم يأتون في الأهمية بعد طبقة الأشراف(3). غير أنهم في الواقع لا يملكون جيشاً خاصاً بهم، بل هم جزء من التركيبة السياسية العسكرية للسلطة في مكة المكرمة. وقد كان لهم قوة ونفوذ كبيران بحيث يستطيعون التأثير على الأوضاع السياسية في مكة المكرمة، وكان الأشراف بأمس الحاجة لدعم هؤلاء القواد ومساندتهم سياسياً وعسكرياً. وفي هذه الدراسة سأركز على فئتين من هؤلاء القواد، وهم من عرفوا بالقواد العُمَّرة، والقواد الحُمَيضات، ومدى نفوذهم وتأثيرهم على الأوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية في مكة المكرمة خلال الفترة الممتدة ما بين 737- 873هـ/ 1336- 1468م. غير أنه لابد أولاً من إعطاء فكرة عن أصل تسمية كلتا هاتين الفئتين. ينتسب القواد العمرة إلى جدهم عمر بن مسعود المكي، وكان مسعود مولى لأبي سعد الحسن بن علي بن قتادة أمير مكة المكرمة (647- 651هـ/ 1250-1254م)(4). أما القواد الحميضات فهم نسبة بالولاء إلى شريف مكة المكرمة حميضة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسن بن علي بن قتادة (701-720هـ/ 1301-1320م)(5). وقبل أن ندخل في سياق الحديث عن موضوع الدراسة يحسن بنا أن نعطي عرضاً سريعاً عن الأحوال العامة في مكة المكرمة خلال فترة الدراسة. الأحوال السياسية:
|