تعد إذابة المصنوعات الفضية ظاهرة عالمية، وكان أغلب الإنتاج الصياغي الغربي في القرن 10هـ/16م موظفًا لخدمة الكنيسة، ثم اكتشفت كميات كبيرة من الفضة في الأمريكتين، وازدهر تصنيعها في أقطار عدة كإيطاليا التي كانت تصدّر بعض مشغولاتها إلى مناطق شمال أفريقيا، وكذلك فرنسا وهولندا. وبالنسبة إلى المصنوعات الفضية الإسلامية فقد كانت إذابتها كارثة مستمرة استهدفت التراث التاريخي، واتخذت هذه العملية اتجاهات كثيرة منها تذويب المسكوكات لإنتاج الحلي، وكسر المصنوعات الفضية القديمة لعمل أخرى جديدة تحت ضغط الموضات الحديثة، أو لسك العملة لأسباب اقتصادية وعسكرية، أو لتذويب التراث الفضي الإسلامي بقصد محوه وتدميره. وهكذا كانت تتغير أشكال الفضة باستمرار تبعًا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لتكون سبائك وحلية وتحفًا ومسكوكات وعملات وغيرها، مما جعل تتبع مراحل تطور فنون الصياغة مقارنة بالخزف صعبًا بسبب فقدان حلقات كثيرة من مسيرتها التاريخية. ومن الدوافع الاقتصادية للتذويب كسر الصاغة للعملات الفضية لأغراض صياغة الحلي عند قلة عرض الفضة في الأسواق، أو وقت ارتفاع أسعارها عالميًا، لأن حصيلة الإذابة أقل تكلفة من شراء السبائك، ولأن كمية الفضة في المسكوكات أعلى من قيمتها الشرائية. وإجمالاً فإن إذابة الفضة ظاهرة النتائج أكثر في الفضة الإسلامية لكثرة ما صنع بالفضة، وقلة ما سلم منها، مما يعكس إبداع الحضارة الإسلامية في نماذجها وأشكالها ومفرداتها التي يرجع الكثير منها إلى القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين.
|