نهج العقاد في تناول الموضوعات الإسلامية طريقًا واضحًا في الكتابة عن العبقرية والعباقرة المسلمين، وتناول الكاتب هذا المنهج بالتحليل، ورأى أن العقاد قد قسَّم النوابغ من أصحاب الرسالات والترجمات إلى فئتين: فئة تظهر في أوانها لأن أسباب نجاحها تمهدت، وتم لها النجاح قبل فوات ذلك الأوان، وفئة أخرى تظهر لأن الحاجة إليها قد بلغت، وهي تظهر لتحقق تلك الحاجة التي تبحث عن صاحبها ليذلل صعابها، والعبقري عند العقاد إنسان يقيس الأشياء بمقياسه الخاص الذي يعلو على مقاييس العامة، ويأخذ نفسه به، وأنه إنسان لم يخلق لخدمة نفسه، أو أسرته، أو عشيرته وكفى، بل هو من خلِق لخير إنساني عام. وأراد العقاد بالعبقرية الإلهام الرباني ووضوح الرؤية، وقد أوضح العقاد طريقته في الترجمة وغايته منها، وهما يكادان يكونان شيئًا واحدًا هو التعريف بالنفس الإنسانية. ورأى العقاد في عظمة العظيم أو عبقرية العبقري صورة من صور العظمة الإنسانية وهي بهذا وحده تستحق الوقوف عندها، والكتابة عنها لها دلالتها في تفسير أطوار الأمم وأسرار التاريخ، بل إن العظمة أو العبقرية في مفهوم العقاد هي شخصية فذة متميزة بالتفرد في أفعالها بذاتها وقدراتها في عصرها، والعقاد في كتابته عن العبقريات والعباقرة يجمع بين فلسفتين تطرحان هذين السؤالين: هل البطل يصنع التاريخ، أم التاريخ هو الذي يصنع البطل؟ وفرَّق العقاد بين العبقري والبطل، حيث أن البطل قد ينحرف عن جادته مرضاةً لكبريائه وسلطانه، ولا يكترث العبقري لجاه أو سلطان إذا حاد به عن غايته، وهي خلق الأمثلة الجديدة والقيم البديعة في أحلام الناس ثم في واقع الحياة. واكتشف العقاد في بحثه مفتاح العبقرية، فوجده في عمر بن الخطاب طبيعة الجندية التي تغلب عليها الروحية، وفي خالد بن الوليد طبيعة الجندية التي تغلب عليها الحيوية، وفي دراسته لعبقرية محمدصلىالله عليه وسلم رأى أن محمدًا هنا عظيم لأنه قدوة المقتدين في المناقب التي يتمناها المخلصون لجميع الناس، عظيم لأنه على خلق عظيم، وإيتاء العظمة حقها لازم في كل آونة وبين كل قبيل.
|